الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } * { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }

قوله تعالى: { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } أي باردة تَحْرِق ببردها كإحراق النار مأخوذ من الصِّر وهو البرد قاله الضحاك. وقيل: إنها الشديدة الصوت. وقال مجاهد: الشديدة السَّموم. { عَاتِيَةٍ } أي عَتت على خُزَّانها فلم تطعهم، ولم يطيقوها من شدّة هبوبها غضبت لغضب الله. وقيل: عَتَت على عاد فقهرتهم. روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيّب عن شَهْر بن حَوْشَب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أرسل الله من نَسَمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخُزَّان فلم يكن لهم عليه سبِيل ـ ثم قرأ ـ { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } والريح لما كان يوم عاد عَتَت على الخُزَّان فلم يكن لهم عليها سبيل ـ ثم قرأ ـ { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } " { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } أي أرسلها وسَلّطها عليهم. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } أي متتابعة لا تَفْتِرُ ولا تنقطع عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. قال الفرّاء: الحُسُوم التِّباع، من حَسْمِ الدّاء إذا كُوِيَ صاحبُه، لأنه يُكْوَى بالمِكواة ثم يُتابَع ذلك عليه. قال عبد العزيز بن زُرارة الكِلابيّ:
ففرّق بين بينهم زمان   تتابع فيه أعوامٌ حسومُ
وقال المبرّد: هو من قولك حَسَمْتُ الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره. وقيل: الحَسْم الاستئصال. ويقال للسيف حُسام لأنه يَحْسِم العدوّ عما يريده من بلوغ عداوته. وقال الشاعر:
حُسامٌ إذا قمتُ مُعْتَضِداً به   كَفَى الْعَوْدَ منه البَدْءُ ليس بِمْعضَدِ
والمعنى أنها حسمتهم، أي قطعتهم وأذهبتهم. فهي القاطعة بعذاب الاستئصال. قال ابن زيد: حسمتهم فلم تُبق منهم أحداً. وعنه أنها حَسَمت الليالي والأيام حتى استوعبتها، لأنها بدأت طلوعَ الشمس من أوّل يومٍ وانقطعت غروبَ الشمس من آخر يوم. وقال اللّيث: الحسوم الشؤوم. ويقال: هذه ليالي الحسوم، أي تَحْسِم الخير عن أهلها، وقاله في الصحاح. وقال عكرمة والربيع بن أنس: مشائيم، دليله قوله تعالى:فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [فصلت:16] عطِية العَوْفِي: «حُسُوماً» أي حَسَمت الخير عن أهلها. واختلف في أوّلها، فقيل: غداة يوم الأحد، قاله السدّي. وقيل: غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس. وقيل: غداة يوم الأربعاء، قاله يحيـى بن سلام ووهب بن مُنَبِّه. قال وهب: وهذه الأيام هي التي تسمّيها العرب أيام العجوز، ذات برد وريح شديدة، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ونُسبت إلى العجوز لأن عجوزاً من عادٍ دخلت سَرَباً فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن. وقيل: سُمِّيت أيام العجوز لأنها وقعت في عجز الشتاء. وهي في آذار من أشهر السُّرْيانيّين.

السابقالتالي
2