أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالضحى، وهو النهار كله، وأحسب أنه من قولهم: ضَحِىَ فلان للشمس: إذا ظهر منه ومنه قوله:{ وَأنَّكَ لا تَظْمأُ فِيها وَلا تَضْحَى } أي لا يصيبك فيها الشمس. وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في معناه، في قوله:{ والشَّمْسِ وَضُحاها } مع ذكري اختيارنا فيه. وقيل: عُني به وقت الضحى. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { والضُّحَى } ساعة من ساعات النهار. وقوله: { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس. { وَاللَّيلِ إذَا سَجَى } يقول: والليل إذا أقبل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قول الله: { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } قال: إذا لَبِس الناسَ، إذا جاء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا ذهب. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } يقول: إذا ذهب. وقال آخرون: معناه: إذا استوى وسكن. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مِهْران وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع جميعاً، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } قال: إذا استوى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } قال: إذا استوى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } سكن بالخلق. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } يعني: استقراره وسكونه. حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } قال: إذا سكن، قال: ذلك سَجْوه، كما يكون سكون البحر سجوه. وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه: والليل إذا سكن بأهله، وثبت بظلامه، كما يقال: بحر ساج: إذا كان ساكناً ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
فَمَا ذَنْبُنا إنْ جاش بَحْرُ ابنِ عَمِّكُمْ
وَبَحْرُكَ ساجٍ ما يُوَارِي الدَّعامِصَا
وقول الراجز:
يا حَبَّذَا القَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجْ
وطُرُقٌ مِثْلُ مُلاءِ النَّسَّاجْ
وقوله: { ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى } وهذا جواب القسم، ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: { وَما قَلى } ومعناه: وما قلاك، اكتفاء بفهم السامع لمعناه، إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه: { ما وَدَّعَكَ } فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.