الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } كان ابن عباس يقول: مَن يعمل من الكفار مثقال ذرّة خيراً يَرَهُ في الدنيا، ولا يُثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عُوقب عليه في الآخرة، مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يَرَهُ في الدنيا، ولا يعاقَبْ عليه في الآخرة إذا مات، ويُتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يُقْبلْ منه، ويضاعفْ له في الآخرة. وفي بعض الحديث: " الذرّة لا زِنة لها " وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى: أنه لا يُغْفِل من عمل ابن آدم صغيرةً ولا كبيرة. وهو مِثل قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [النساء: 40]. وقد تقدم الكلام هناك في الذرّ، وأنه لا وزن له. وذكر بعض أهل اللغة أن الذرّ: أن يضرب الرجل بيده على الأرض، فما علِق بها من التراب فهو الذَّرّ، وكذا قال ابن عباس: إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها، فكل واحد مما لزق من التراب ذَرَّة. وقال محمد بن كعب القُرَظِيّ: فمنْ يَعْمَل مِثقْالَ ذَرّة منْ خَيْر من كافر، يرى ثوابه في الدنيا، في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير. ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مُوْمن، يرى عُقوبته في الدنيا، في نفسه وماله وولده وأهله، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شرّ. دليله ما رواه العلماء الأثبات من حديث أنس: أن هذه الآية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل، فأمسك وقال: يا رسول الله، وإنا لنُرَى ما عَمِلْنا من خير وشرّ؟ قال: " ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذرّ الشرّ، ويُدَّخَر لكم مثاقيلُ ذَرّ الخير، حتى تُعْطَوْه يومَ القِيامة ". قال أبو إدريس: إن مِصْداقه في كتاب الله:وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30]. وقال مقاتل: نزلت في رجلين، وذلك أنه لما نزلوَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [الإنسان: 8] كان أحدهم يأتيه السائل، فيستقل أن يعطِيه التمرة والكِسرة والجوزة. وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير، كالكَذبة والغِيبة والنظْرة، ويقول: إنما أوعد الله النار على الكبائر فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يُعْطُوه فإنه يوشِك أن يكثُر، ويُحَذِّرهُمْ اليسيرَ من الذنب، فإنه يوشِك أن يكثُر وقاله سعيد بن جبير. والإِثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء. الثانية: قراءة العامة «يَرَهْ» بفتح الياء فيهما. وقرأ الجَحْدَرِيّ والسُّلَمِيّ وعيسى ابن عمر وأبان عن عاصم: «يُرَهْ» بضم الياء أي يُريه اللَّهُ إياه.

السابقالتالي
2