الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { خَلَقَ الإنسان من نطفةٍ فإذا هو خصيم مبين }.

الخصيم المحتج في الخصومة، والمبين هو المفصح عما في ضميره. وفي صفته بذلك ثلاثة أوجه:

أحدها: تعريف قدرة الله تعالى في إخراجه من النطفة المهينة إلى أن صار بهذه الحال في البيان والمكنة.

الثاني: ليعرفه نعم الله تعالى عليه في إخراجه إلى هذه الحال بعدما خلقه من نطفة مهينة.

الثالث: يعرفه فاحش ما ارتكب من تضييع النعمة بالخصومة في الكفر، قاله الحسن. وذكر الكلبي أن هذه الآية نزلت في أُبي بن خلف الجمحي حين أخذ عظاماً نخرة فذراها وقال: أنُعادُ إذا صرنا هكذا.

قوله عز وجل: { والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه اللباس، قاله ابن عباس.

الثاني: ما ستدفىء به من أصوافها وأوبارها وأشعارها، قاله الحسن.

الثالث: أن الدفء صغار أولادها التي لا تركب، حكاه الكلبي. { ومنافِعُ } فيها وجهان:

أحدهما: النسل، قاله ابن عباس.

الثاني: يعني الركوب والعمل. { ومنها تأكلون } يعني اللبن واللحم. قوله عز وجل: { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون } يحتمل وجهين:

أحدهما: أن الرواح من المراعي إلى الأفنية، والسراح انتشارها من الأفنية إلى المراعي.

الثاني: أنه على عموم الأحوال في خروجها وعودها من مرعى أو عمل أو ركوب وفي الجمال بها وجهان:

أحدهما: قول الحسن إذا رأوها: هذه نَعَمُ فلان، قاله السدي.

الثاني: توجه الأنظار إليها، وهو محتمل.

وقد قدم الرواح على السراح وإن كان بعده لتكامل درها ولأن النفس به أسَرُّ. { وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بِشِقِّ الأنفس } في البلد قولان:

أحدهما: أنه مكة لأنها من بلاد الفلوات.

الثاني: أنه محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر.

{ إلا بشق الأنفس } فيه وجهان:

أحدهما: أنكم لولاها ما بلغتموه إلا بشق الأنفس.

الثاني: أنكم مع ركوبها لا تبلغونه إلا بشق الأنفس، فكيف بكم لو لم تكن.

وفي شق الأنفس وجهان:

أحدهما: جهد النفس، مأخوذ من المشقة.

الثاني: أن الشق النصف فكأنه يذهب بنصف النفس.