الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } وقاية الأنفس: أن تعمل بطاعة الله وطاعة رسوله، [ووقاية] الأهلين: أن تأمرهم بذلك.

قال علي عليه السلام: علِّمُوهم وأدِّبُوهم.

ومعنى: " وقودها الناس والحجارة " مذكور في البقرة.

{ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } أي: في أَجْرَامِهم غلظة وشدة، أي: جفاء وقوة.

وقيل: غلاظ القلوب، شداد الأبدان، لم يخلق الله في قلوبهم الرحمة، وهم الزبانية التسعة عشر وأعوانهم من خَزَنَةِ النار.

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: أن داود كان يُعاتَب في كثرة البكاء، [فقال]: ذروني أبكي قبل أن تؤمر بي ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

فصل

ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتدبر ما اشتملت عليه هذه الآية، من الأمر بوقاية النفس والأهل نار جهنم، فيأخذ به ويتدبر ما تضمنته من التهديد، وينظر بنور إيمانه قيام الخَزَنة الغلاظ الشداد على عذاب أهل النار، بأيديهم مقامع الحديد، يمضون فيهم أمر الله جلّ وعز.

كان مالك بن دينار يقول: لو وجدتُ أعواناً لفرقتهم في منار الأرض ينادون: أيها الناس النار النار.

وفي الحديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية وعنده بعض أصحابه [وفيهم] شيخ فغُشي عليه، فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال]: قل: لا إله إلا الله، فقالها فبشره بالجنة، فقال أصحابه: أمن بيننا يا رسول الله؟ قال: نعم، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ".

وقد كنا يوماً نتدارس القرآن في بيت من بيوت الله برأس عين، سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وكان عامَ قحط وغلاء وموت ذريع بسبب الجوع، فأتينا على هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وعندنا رجل من ذوي اليسار يستمع القرآن سماع تفكر واعتبار، فصاح صيحة شديدة، وألقى نفسه في وسط الحلقة كهيئة الولهان، ثم تراجعت إليه نفسه، فقال لنا: أشهدكم أن لله في مالي مائة مَكُّوك من الحنطة، وستمائة درهم أُصْلِحُها بها وأطعمها لفقراء المسلمين، أقي بها نفسي وأهلي من نار جهنم، ثم نهض وأمضى ذلك باطلاع منا في أيام، فكان مجموع ما أنفق نحواً من مائتين وخمسين ديناراً تقريباً.

قوله تعالى: { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ } أي: فيما أمرهم.

وقيل: " ما أمرهم " في محل النصب على البدل، أي: لا يعصون ما أمر الله، أي: أمره، كقوله:أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [طه: 93].

{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } قال بعضهم: ليست الجملتان في معنى واحد؛ لأن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامر الله ولا يأبونها.

ومعنى الثانية: يؤدون ما أُمروا به، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.

السابقالتالي
2