الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } * { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ }

قوله: { بِعَادٍ إِرَمَ }: قرأ العامَّةُ " بعادٍ " مصروفاً " إرَمَ " بكسرِ الهمزة وفتح الراءِ والميم، فـ " عاد " اسمٌ لرجلٍ في الأصل، ثم أُطْلِقَ على القبيلة أو الحيِّ، وقد تقدَّم الكلامُ عليه. وأمَّا " إرَمُ " فقيل: هو اسمُ قبيلةٍ. وقيل: اسمُ مدينةٍ: واخْتُلف في التفسير في تعيينِها. فإن كانَتْ اسمَ قبيلةٍ كانت بدلاً أو عطفَ بيانٍ، أو منصوبةً بإضمارِ " أعني " ، وإن كانَتْ اسمَ مدينةٍ فيقلَقُ الإِعراب من عاد، وتخريجُه على حَذْفِ مضافٍ، كأنه قيل: بعادٍ أهلِ إرمَ، قاله الزمخشري، وهو حَسَنٌ ويَبْعُدُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " عاد " بدلَ اشتمال إذا لا ضميرَ، وتقديرُه قَلِقٌ. وقد يقال: إنه لَمَّا كان المَعْنِيُّ بعادٍ مدينتَهم؛ لأنَّ إرمَ قائمةٌ مَقامَ ذلك صَحَّ البدلُ. وإرمُ اسمُ جَدِّ عادٍ،/ وهو عادُ بنُ عَوَضِ بنِ إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ. قال زهير:
4560ـ وآخَرِين تَرَى الماذيَّ عِدَّتَهْمْ   مِنْ نَسْجِ داوُدَ أو ما أَوْرَثَتْ إرَمُ
وقال قيس الرقيات:
4561ـ مَجْداً تليداً بناه أوَّلُوه له   أَدْرَكَ عاداً وساماً قبلَه إرَما
وقرأ الحسن " بعادَ " غيرَ مصروفٍ. قال الشيخ: " مُضافاً إلى إرم. فجاز أَنْ يكون " إرَمُ " أباً أو جَدَّاً أو مدينةً ". قلت: يتعيَّنُ أَنْ يكونَ في قراءةِ الحسن غيرَ مضافٍ، بل يكون كما كان منوناً، ويكونُ " إرمَ " بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ أَعْني [ولو كان مضافاً لوجَبَ صَرْفُه]. وإنَّما مُنع " عاد " اعتباراً بمعنى القبيلة أو جاء على أحدِ الجائزَيْنِ في " هند " وبابِه. وقرأ الضحاك في روايةٍ " بعادَ إرم " ممنوعَ الصرفِ وفَتْحِ الهمزةِ مِنْ " أرَمَ ". وعنه أيضاً " أرْمَ " بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الراءِ، وهو تخفيفُ " أَرِمَ " بكسرِ الراء، وهي لغةٌ في اسمَ المدينة، وهي قراءةُ ابنِ الزُّبَيْرِ. وعنه في " عاد " مع هذه القراءة الصَّرْفُ وتَرْكُه.

وعنه أيضاً وعن ابن عباس " أَرَمَّ " بفتح الهمزةِ والراءِ، والميمُ مشددةٌ جعلاه فعلاً ماضياً. يقال: " أَرَمَّ العَظْمُ " ، أي: بَلِيَ. ورَمَّ أيضاً وأرَمَّه غيرُه، فأَفْعَلَ يكون لازماً ومتعدياً في هذا. و " ذات " على هذه القراءةِ مجرورةٌ صفةً لـ " عاد " ، ويكونُ قد راعى لفظَها تارةً في قولِه: " أرَمَّ " ، فلم يُلْحِقْ علامةَ تأنيثٍ، ويكونُ " أرَمَّ " معترضاً بين الصفةِ والموصوفِ، أي: أَرَمَّتْ هي بمعنى: رَمَّتْ وَبِلِيَتْ، وهو داءٌ عليهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ " أرَمَّ " ضميرَ الباري تعالى، والمفعولُ محذوفٌ، أي: أرَمَّها اللَّهُ. والجملةُ الدعائيةُ معترضةٌ أيضاً.

السابقالتالي
2