الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ }

{ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ } أي فيما سيأتي، والتعبير بذلك دون الفعل للدلالة على تحقق إتيانها وتقرره البتة لاقتضاء الحكمة إياه لا محالة، وقوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهَا } إما خبر ثان لأنَّ أو حال من ضمير { ٱلسَّاعَةَ } في الخبر، ومعنى نفي الريب عنها أنها في ظهور أمرها ووضوح دلائلها بحيث ليس فيها مظنة أن يرتاب في إتيانها. و(أن) وما بعدها في تأويل مصدر عطف على المصدر المجرور بباء السببية داخل معه في حيزها كالمصدرين الحاصلين من قوله تعالى:وَأَنَّهُ يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ } [الحج: 6] وقوله سبحانه:وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } [الحج: 6] وكذا قوله عز وجل: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى ٱلْقُبُورِ } لكن لا من حيث إن إتيان الساعة وبعث من في القبور مؤثران فيما ذكر من أفاعيله تعالى تأثير القدرة فيها بل من حيث أن كلاً منهما بسبب داع له عز وجل بموجب رأفته بالعباد المبنية على الحكم البالغة إلى ما ذكر من خلقهم ومن إحياء الأرض الميتة على نمط بديع صالح للاستشهاد به على إمكانهما ليتأملوا في ذلك ويستدلوا به عليه أو على وقوعهما ويصدقوا بذلك لينالوا السعادة الأبدية ولولا ذلك لما فعل بل لما خلق العالم رأساً، وهذا كما ترى من أحكام حقيته تعالى في أفعاله وابتنائها على الحكم الباهرة كما أن ما قبله من أحكام حقيته تعالى في صفاته وكونها في غاية الكمال، هذا ما اختاره العلامة أبو السعود في تفسير (ذلك) وهو مما يميل إليه الطبع السليم.

وجعل صاحب «الكشاف» الإشارة إلى ما ذكر أيضاً إلا أنه بحسب الظاهر جعل إتيان الساعة وبعث من في القبور حيث إن ذلك من روادف الحكمة كناية عنها فكأن الأصل ذلك حاصل بسبب أن الله تعالى هو الحق الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم فاكتفى بمقتضى الحكمة عن الوصف بالحكمة لما في الكناية من النكتة خصوصاً والكلام مع منكري البعث للدفع في نحورهم. ولا يخلو عن بعد، ونقل النيسابوري عبارة «الكشاف» واعترضها بما لا يخفى رده وأبدى وجهاً في الآية ذكر أنه مما لم يخطر لغيره ورجا أن يكون صواباً وهو مع اقتضائه حمل الباء على ما يعم السببية الفاعلية والسببية الغائية مما لا يخفى ما فيه.

وقيل: (ذلك) إشارة إلى ما ذكر إلا أن قوله تعالى: { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ } الخ ليس معطوفاً على المجرور بالباء ولا داخلاً في حيز السببية بل هو خبر والمبتدأ محذوف لفهم المعنى والتقدير والأمر أن الساعة آتية الخ، وعليه اقتصر أبو حيان وفيه قطع للكلام عن الانتظام، وقيل: (ذلك) إشارة إلى ماذكر إلا أن الباء صلة لكون خاص وليست سببية أي مشعر بأن الله هو الحق الخ، وفيه أنه لا قرينة على هذا الكون الخاص / وقيل: المعنى ذلك ليعلموا أن الله هو الحق الخ، وفيه تلويح ما إلى معنى الحديث القدسي المشهور على الألسنة وفي «كتب الصوفية» وإن لم يثبت عند المحدثين وهو «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» وهو كما ترى، وقيل: الإشارة إلى البعث المستدل عليه بما سبق واستظهره بعضهم، ولا يخفى عليك ما يحتاج إليه من التكلف، ونقل في «البحر» أن (ذلك) منصوب بفعل مضمر أي فعلنا ذلك بأن الخ.

السابقالتالي
2 3