الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } استشهاد على شمول شهادته تعالى أي ألم تعلم أنه عز وجل يعلم ما فيهما من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.

وقوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } الخ استئناف مقرر لما قبله من سعة علمه تعالى. و { يَكُونَ } من كان التامة، و { مِنْ } مزيدة، و { نَجْوَىٰ } فاعل وهي مصدر بمعنى التناجي وهو المسارة مأخوذة من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض لأن المتسارين يخلوان وحدهما بنجوة من الأرض، أو لأن السر يصان فكأنه رفع من حضيض الظهور إلى أوج الخفاء، وقيل: أصل ناجيته من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه وهي مضافة إلى { ثَلَـٰثَةً } أي ما يقع من تناجي ثلاثة نفر وقد يقدر مضاف أي من ذوي نجوى، أو يؤول نجوى بمتناجين ـ فثلاثة ـ صفة للمضاف المقدر، أو لنجوى المؤوّل بما ذكر. وجوز أن يكون بدلاً أيضاً والتأويل والتقدير المذكوران ليتأتى الاستثناء الآتي من غير تكلف، وفي «القاموس» النجوى السر والمسارون اسم مصدر، وظاهره أن استعماله في كل حقيقة فإذا أريد المسارون لم يحتج إلى تقدير أو تأويل لكن قال الراغب: إن النجوى أصله المصدر كما في الآيات بعد، وقد يوصف به فيقال: هو نجوى وهم نجوى، قال تعالى:وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الإسراء: 47] وعليه يحتمل أن يكون من باب زيد عدل.

وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة ـ ما تكون ـ بالتاء الفوقية لتأنيث الفاعل، والقراءة بالياء التحتية قال الزمخشري: ((على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي، و { مِنْ } فاصلة أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى))، واختار في «الكشف» الثاني، فقال: هو الوجه لأن المؤنث وحده لم يجعل فاعلاً لفظاً لوجود { مِنْ } ولا معنى لأن المعنى شيء منها، فالتذكير هو الوجه لفظاً ومعنى، وهو قراءة العامة انتهى، وإلى نحوه يشير كلام صاحب «اللوامح»، وصرح بأن الأكثر في هذا الباب التذكير، وتعقبه أبو حيان بالمنع وأن الأكثر التأنيث وأنه القياس / قال تعالى:وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايَـٰتِ رَبّهِمْ } [الأنعام: 4]مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } [الحجر: 5] فتأمل.

وقوله سبحانه: { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والرابع لإضافته إلى غير مماثله هنا بمعنى الجاعل المصير لهم أربعة أي ما يكونون في حال من الأحوال إلا في حال تصيير الله تعالى لهم أربعة حيث إنه عز وجل يطلع أيضاً على نجواهم، وكذا قوله تعالى: { وَلاَ خَمْسَةٍ } أي ولا نجوى خمسة { إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ } أي ولا نجوى أدنى { مّن ذٰلِكَ } أي مما ذكر كالاثنين والأربعة { وَلاَ أَكْثَرَ } كالستة وما فوقها { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } يعلم ما يجري بينهم { أَيْنَ مَا كَانُواْ } من الأماكن، ولو كانوا في بطن الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قرباً وبعداً.

السابقالتالي
2 3 4