الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ }

{ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ }. الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لبيان ذمَ مصيرهم في جهنم، أي من جملة مذام مصيرهم مذمة ما يسمعونه فيها من أصوات مؤلمة مخيفة. و { إذا } ظرف متعلق بـ { سمعوا } يدل على الاقتران بين زمن الإِلقاء وزمن سماع الشهيق. والشهيق تردد الأنفاس في الصدر لا تستطيع الصعود لبُكاء ونحوه أطلق على صوت التهاب نار جهنم الشهيق تفظيعاً له لأن قوله { سمعوا لها } يقتضي أن الشهيق شهيقها لأن أصل اللام أن تكون لشبه الملك. وجملة { وهي تفور } حال من ضمير { فيها } وتفور تغلي وترتفع ألسنَة لهيبها. و { الغيظ } أشد الغضب. وقوله { تكاد تميز من الغيظ } خبر ثان عن ضمير { وهي } ، مثلت حالة فورانها وتصاعد ألسنة لهيبها ورطمها ما فيها والتهام من يُلقون إليها، بحال مغتاظ شديد الغيظ لا يترك شيئاً مما غاظه إلاّ سلط عليه ما يستطيع من الإِضرار. واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها مع مرادفاته كقولهم يكاد فلان يتميز غيظاً ويتقصف غَضَباً، أي يكاد تتفرق أجزاؤه فيتميز بعضها عن بعض وهذا من التمثيلية المكنية وقد وضحناها في تفسير قوله تعالىأولئك على هدى من ربهم } في سورة البقرة 5. ونظير هذه الاستعارة قوله تعالىفوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ } في سورة الكهف 77 إذ مثل الجدار بشخص له إرادة. { وتميَّز } أصله تتميز، أي تنفصل، أي تتجزأ أجزاءً تخييلاً لشدة الاضطراب بأن أجزاءها قاربت أن تتقطع، وهذا كقولهم غضب فلان فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء.