قوله تعالى: { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ }. قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه في هذه الآية: إثبات أن للنار حساً وإدراكاً وإرادة، والقرآن أثبت للنار أنها تغتاظ وتبصر وتتكلم وتطلب المزيد، كما قال هنا: { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ }. وقال:{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12]. وقال:{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [قۤ: 30] قوله تعالى: { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ }. بين تعالى أن للنار خزنة، وقد بين تعالى ان هؤلاء الخزنة هم الملائكة الموكلون بالنار، كما في قوله تعالى:{ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]. كما بين عدتهم في قوله تعالى:{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر: 30]. وقال:{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [المدثر: 31]. وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: دلت هذه الآية على أن أهل النار يدخلونها جماعة بعد جماعة، كما في قوله تعالى:{ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]. قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ }. قال رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: هذا سؤال الملائكة لأهل النار، والنذير بمعنى المنذر، فهو فعيل بمعنى مفعل، وإن ذكر عن الأصمعي إنكاره ونظيره من القرآن: بديع السماوات: بمعنى مبدع، وأليم: بمعنى مؤلم. ومن كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانه الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
فالسميع بمعنى المسمع. وقول غيلان:
ويرفع من صدور شمردلات
يصد وجوهها وهج أليم
أي مؤلم، والإنذار إعلام مقترن بتخويف. وقال: وهذه الآية تدل على أن الله تعالى يعذب بالنار أحداً إلا بعد أن ينذره في الدنيا، وقد بين هذا المعنى بأدلته بتوسع عند قوله تعالى:{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]، وساق هذه الآية هناك.