الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ }؛ أي فضَّلناهم بالعقلِ والنُّطقِ والتمييزِ، وعامَلناهم معاملةَ الإكرامِ بالنعمة، وجعلناهم يهتَدُون إلى مَعايشهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ }؛ أي في البَرِّ على الدواب، وفي البحرِ على السُّفن. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }؛ أي لَذِيذِ المطاعمِ والمشارب، قال مقاتلُ: (السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالتَّمْرُ وَالْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }؛ أي فضَّلنَاهم على كثيرٍ من حيواناتِ البرِّ والبحرِ، ومِن تفضيلهم أنَّهم يأكُلون بالأيدِي، وغيرُهم من الحيواناتِ يأكلون بالأفواهِ. ويقالُ: إنَّ ابنَ آدم يَمشِي مُنتَصِباً قائماً وسائرُ الحيواناتِ تَمشِي مُنْكَبَّةً.

ولم يقُل في الآية: عَلَى كلِّ مَنْ خلَقْنَا؛ لأن اللهَ فضَّلَ الملائكةَ كما قالَ تعالى:وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [النساء: 172] ولكنَّ ابنَ آدمَ مُفَضَّلٌ على سائرِ الحيوانات، وقال عطاءُ في هذه الآيةِ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ بتَعْدِيلِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا)، وقال محمَّدُ بن كعبٍ: (بأَنْ جَعَلَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ). وَقِيْلَ: بحُسنِ الصُّورة، وَقِيْلَ: الرِّجالُ باللِّحَا والنِّساءُ بالذوائب.

وَقِيْلَ: بتسلِيطهم على غيرِهم من الخلائقِ، وبتسخيرِ الخلائق لَهم. وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تفسيرِ الآية قال: " الْكَرَامَةُ الأَكْلُ بالأصَابعِ " وقولهُ: { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } يعني الثِّمارَ والحبوبَ، وكلَّ طعامٍ لَيِّنٍ، ورَزَقَ الدوابَ التِّبنَ والحشيشَ والشَّوكَ.