الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

لما ذكر كرامات الإنسان في الدُّنيا، شرح درجات أحواله في الآخرة.

قوله تعالى: { يَوْمَ نَدْعُواْ }: فيه أوجه:

أحدها: أنه منصوبٌ على الظرفية، والعامل " فضَّلنَاهُمْ " أي: فضَّلناهم بالثواب يوم ندعُو، قال ابن عطيَّة في تقريره: وذلك أنَّ فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بيِّنٌ، إذ هم المكلَّفون المنعَّمون المحاسبون الذين لهم القدرُ؛ إلا أنَّ هذا يردُّه أنَّ الكفار [يومئذٍ] أخسرُ مِنْ كلِّ حيوانٍ؛ لقولهم:يَٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [النبأ: 40].

الثاني: أنه منصوبٌ على الظرف، والعامل فيه " اذكُرْ " قاله الحوفيُّ وابن عطيَّة، وهذا سهوٌ؛ كيف يعمل فيه ظرفاً؟ بل هو مفعولٌ.

الثالث: أنه مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وإنما بُنِيَ لإضافته إلى الجملة الفعلية، والخبر الجملة بعده، قال ابن عطيَّة في تقريره: ويصحُّ أن يكون " يوم " منصوباً على البناء، لمَّا أضيف إلى غير متمكِّنٍ، ويكون موضعه رفعاً بالابتداء، وخبره في التقسيم الذي أتى بعده في قوله " فَمنْ أوتِي كِتابَهُ " إلى قوله " ومَنْ كَانَ " قال أبو حيان: قولهُ " منصوبٌ على البناء " كان ينبغي أن يقول: مبنياً على الفتح، وقوله " لمَّا أضيف إلى غير متمكِّن " ليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ المتمكِّن وغير المتمكِّن، إنما يكون في الأسماءِ، لا في الأفعالِ، وهذا أضيف إلى فعلٍ مضارع، ومذهبُ البصريين فيه أنه معربٌ، والكوفيون يجيزون بناءه، وقوله: " [والخبر] في التقسيم " إلى آخره، التقسيم عارٍ من رابطٍ يربط جملة التقسيم بالابتداء. قال شهاب الدين: الرابط محذوفٌ للعلم به، أي: فمن أوتي كتابه فيه.

الرابع: أنه منصوب بقوله " ثُمَّ لا تجِدُوا " قاله الزجاج.

الخامس: أنه منصوب بـ " يُعِيدكُمْ " مضمرة، أي: يعيدكم يوم ندعو.

السادس: أنه منصوبٌ بما دلَّ عليه " ولا يُظلَمُونَ " بعده، أي: لا يظلمون يوم ندعو، قاله ابن عطية وأبو البقاء.

السابع: أنه منصوب بما دلَّ عليه " متى هو ".

الثامن: أنه منصوبٌ بما تقدَّمه من قوله تعالى:فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 52].

التاسع: أنه بدلٌ من " يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ". وهذان القولان ضعيفان جدًّا؛ لكثرة الفواصل.

العاشر: أنه مفعول به بإضمار " اذكر " وهذا - وإن كان أسهل التقادير - أظهر ممَّا تقدَّم؛ إذ لا بعد فيه ولا إضمار كثيرٌ.

وقرأ العامة " نَدْعُو " بنون العظمة، ومجاهدٌ " يَدعُو " بياء الغيبة، أي: الله تعالى أو الملك، و " كُلَّ " نصْبٌ مفعولاً به على القراءتين.

وقرأ الحسن فيما نقله الدَّانيُّ عنه " يُدعَى " مبنيًّا للمفعول " كُلُّ " مرفوعٌ؛ لقيامه مقام الفاعل، وفيما نقله عنه غيره " يُدْعَوْ " بضمِّ الياء، وفتح العين، بعدها واوٌ، وخرجت على وجهين:

أحدهما: أن الأصل: " يُدْعَوْنَ " فحذفت نون الرفع، كما حذفت في قوله - صلوات الله وسلامه عليه -:

السابقالتالي
2 3