الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ }

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ } أي: عذاب، والرجس والرجز بمعنى، حتى قيل إن أحدهما مبدل من الآخر، كالأسد والأزد. وأصل معناه: الاضطراب. يقال: رجست السماء: رعدت شديداً وتمخضت، وهم في مرجوسة من أمرهم، أي في اختلاط والتباس، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حلّ به. وادعى بعضهم أن الرجس بمعنى العذاب مجاز، قال: لأنه حقيقة في الشيء القذر، فاستعير لجزائهم. وظاهر اللغة أنه حقيقة. ووجه التعبير بالمضي عما سيقع، تنزيل المتوقع كالواقع كما في:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1] { وَغَضَبٌ } أي: سخط لإشراككم معه من هو في غاية النقص، في أعلى كمالاته التي هي الإلهية.

{ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ } أي: في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة، ومعنى الإلهية فيها معدوم، ومُحال وجوده. وهذا كقوله تعالى:مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } [العنكبوت: 42] - كذا في الكشاف.

قال الشهاب: جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، كما يقال لما لا يليق: ما هو إلا مجرد اسم. فالمعنى: أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها، فتوجه الذم للتسمية، الخالية عن المعنى. والضمير حينئذ راع لـ (أسماء) وهي المفعول الأول للتسمية، والثاني آلهة، ولو عكس لزم الإستخدام - انتهى.

وقوله تعالى: { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي: حجة ودليل على هذه التسمية؛ لأن المستحق للمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكل، وإنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى، إما بإنزال آية أو نصب حجة، وكلاهما مستحيل، فتحقق بطلان ما هم عليه.

قال الجشميّ: دلت الآية على فساد التقليد، حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم. وتدل على أن المعارف مكتسبة، وتدل على بطلان كل مذهب لا دليل عليه. ويدل قوله: { أَتُجَٰدِلُونَنِي } على أن المبطل مذموم في جداله، والواجب عليه النظر ليعرف الحق. انتهى.

وقال القاضي: بين تعالى أن منتهى حجتهم وسندهم، أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقيق المسمى، وإسنادَ الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله، إظهاراً لغاية جهالتهم، وفرط غباوتهم.

{ فَٱنْتَظِرُوۤاْ } أي: نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } [الأعراف: 70]؛ لأنه وضح الحق، وأنتم مصرّون على العناد { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } أي: لما يحل بكم.

قال المهايمي: فجاء منتظرهم بحيث لا ينجو منه، بمجرى العادة، أحد، وجعل من قبيل الريح التي تتقدم الأمطار، لكفرهم برياح الإرسال.