الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ }

هذا تنفيذ القضاء الذي جاء في قولهوقُضي بينهم بالحق } الزمر 69 وقولهوَوُفيت كل نفسٍ ما عملت } الزمر 70، فإن عاقبة ذلك ونتيجته إيداع المجرمين في العقاب وإيداع الصالحين في دار الثواب.وابتدىء في الخَبر بذكر مستحقي العقاب لأنه الأهم في هذا المقام إذ هو مقام إعادة الموعظة والترهيب للذين لم يتعظوا بما تكرر في القرآن من العظات مثل هذه فأما أهل الثواب فقد حصل المقصود منهم فما يذكر عنهم فإنما هو تكريرُ بشارة وثناء.والسَّوق أن يجعل الماشي ماشياً آخر يسير أمامه ويلازمه، وضدّه القَود، والسوْق مشعر بالإِزعاج والإِهانة، قال تعالىكأنما يساقون إلى الموت } الأنفال 6. والزُّمَر جَمع زُمْرة، وهي الفوج من الناس المتبوعُ بفوج آخر، فلا يقال مرت زمرة من الناس، إلاّ إذا كانت متبوعة بأخرى، وهذا من الألفاظ التي مدلولها شيء مقيّد. وإنما جُعلوا زمراً لاختلاف دَرَجات كفرهم، فإن كان المراد بالذين كفروا مشركي قريش المقصودين بهذا الوعيد كان اختلافهم على حسب شدة تصلبهم في الكفر وما يخالطه من حَدَب على المسلمين أو فظاظة، ومن محايدة للنبي صلى الله عليه وسلم أو أَذىً، وإن كان المراد بهم جميع أهل الشرك كما تقتضيه حكاية الموقف مع قوله { ألم يأتكم رُسُل } كان تعدد زمرهم على حسب أنواع إشراكهم. و { حتى } ابتدائية و { إذا } ظرف لزمَان المستقبل يضمّن معنى الشرط غالباً، أي سيقوا سوقاً ملازماً لهم بشدته متصل بزمن مجيئهم إلى النار.وجملة { فتحت } جواب { إذا } لأنها ضمنت معنى الشرط وأغنى ذكر { إذا } عن الإِتيان بــــ لمّا التوقيتية، والتقدير فلما جاءوها فتحت أبوابها، أي وكانت مغلقة لتفتح في وجوههم حين مجيئهم فجأة تهويلاً ورعباً.وقرأ الجمهور { فُتِّحَتْ } بتشديد التاء للمبالغة في الفتح. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف التاء على أصل الفعل.والخزَنة جمع خازن وهو الوكيل والبوَّاب غلب عليه اسم الخازن لأنه يقصد لخزن المال.والاستفهام الموجه إلى أهل النار استفهام تقريري مستعمل في التوبيخ والزجر كما دل عليه قولهم بعده { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبِئس مثوى المتكبرين }.و { منكم } صفة لـــ { رسل } ، والمقصود من الوصف التورك عليهم لأنهم كانوا يقولونأبشراً منا واحداً نتبعه } القمر 24، والتلاوة قراءة الرسالة والكتاب لأن القارىء يتلو بعض الكلام ببعض، وأصل الآيات العلامات مثل آيات الطريق. وأطلقت على الأقوال الدالة على الحق، والمراد بها هنا الأقوال الموحى بها إلى الرسل مثل صحف إبراهيم وموسى والقرآن، وأخصُّها باسم الآيات هي آيات القرآن لأنها استكملت كُنه الآيات باشتمالها على عظم الدلالة على الحق وإذ هي معجزات بنظمها ولفظها، وما عداه يسمى آيات على وجه المشاكلة كما في حديث الرجم أن اليهودي الذي أحضر التوراة وضع يده على آية الرجم، ولأن في معاني كثير من القرآن والكتب السماوية ما فيه دلائل نظرية على الوحدانية والبعث ونحوها من الاستدلال.

السابقالتالي
2