الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله: { وَإِن مّنكُمْ } يجب أن يكون راجعا إلى المؤمنين الذين ذكرهم الله بقوله: { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } واختلفوا على قولين: الأول: المراد منه المنافقون كانوا يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان قيل: قوله: { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ } تقديره: يا أيها الذين آمنوا إن منكم لمن ليبطئن، فاذا كان هذا المبطىء منافقا فكيف جعل المنافق قسما من المؤمن في قوله: { وَإِن مّنكُمْ }. والجواب من وجوه: الأول: أنه تعالى جعل المنافق من المؤمنين من حيث الجنس والنسب والاختلاط. الثاني: أنه تعالى جعلهم من المؤمنين بحسب الظاهر لأنهم كانوا في الظاهر متشبهين بأهل الايمان. الثالث: كأنه قيل: يا أيها الذين آمنوا في زعمكم ودعواكم كقوله:وَقَالُواْ يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ } [الحجر: 6]. القول الثاني: أن هؤلاء المبطئين كانوا ضعفة المؤمنين وهو اختيار جماعة من المفسرين قالوا: والتبطئة بمعنى الابطاء أيضاً، وفائدة هذا التشديد تكرر الفعل منه. وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: ما أبطأ بك يا فلان عنا، وإدخالهم الباء يدل على أنه في نفسه غير متعد، فعلى هذا معنى الآية أن فيهم من يبطىء عن هذا الغرض ويتثاقل عن هذا الجهاد، فاذا ظفر المسلمون تمنوا أن يكونوا معهم ليأخذوا الغنيمة، وإن أصابتهم مصيبة سرهم أن كانوا متخلفين. قال: وهؤلاء هم الذين أرادهم الله بقوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } [التوبة: 38] قال: والذي يدل على أن المراد بقوله: { لَّيُبَطّئَنَّ } الابطاء منهم لا تثبيط غيرهم، ما حكاه تعالى من قولهم: { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ } عند الغنيمة، ولو كان المراد منه تثبيط الغير لم يكن لهذا الكلام معنى. وطعن القاضي في هذا القول وقال: إنه تعالى حكى عن هؤلاء المبطئين أنهم يقولون عند مصيبة المؤمنين: { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } فيعد قعوده عن القتال نعمة من الله تعالى، ومثل هذا الكلام انما يليق بالمنافقين لا بالمؤمنين، وأيضا لا يليق بالمؤمنين أن يقال لهم: { كَأَن لَّمْ تَكُنِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ } يعني الرسول: { مَّوَدَّةَ } فثبت أنه لا يمكن حمله على المؤمنين، وإنما يمكن حمله على المنافقين، ثم قال: فإن حمل على أنه من الابطاء والتثاقل صح في المنافقين، لأنهم كانوا يتأخرون عن الجهاد ويتثاقلون ولا يسرعون إليه، وإن حمل على تثبيط الغير صح أيضا فيهم، فقد كان يثبطون كثيراً من المؤمنين بما يوردون عليهم من أنواع التلبيس، فكلا الوصفين موجود في المنافقين، وأكثر المفسرين حمله على تثبيط الغير، فكأنهم فصلوا بين أبطأ وبطأ، فجعلوا الأول لازما، والثاني متعدياً، كما يقال في أحب وحب، فان الأول لازم والثاني متعد.

السابقالتالي
2