الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ }

قوله: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً }. قال مجاهد وعطاء: النافلة العطية وكذل النفل، ويسمى الرجل الكثير العطاء نوفلاً.

وقيل: الزيادة. وقيل: ولد الوالد.

فعلى الأول ينتصب انتصاب المصدر من معنى العامل وهو " وَهَبْنَا " لا من لفظه لأنّ الهبة والإعطاء متقاربان فهي كالعاقبة والعافية. وعلى الآخرين ينتصب على الحال، والمراد بها يعقوب. والنافلة مختصة بيعقوب على كل تقدير، لأنّ إسحاق ولده لصلبه، وهذا قول ابن عباس وأُبيّ بن كعب وابن زيد وقتادة.

قوله: " وَكُلاًّ " مفعول أول لـ " جَعَلْنَا " و " صَالِحِينَ " هو الثاني توسط العامل بينهما، والأصل: وجعلنا أي: صيرنا كلاًّ من إبراهيم ومن ذكر معه صالحين. وقوله: " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً " كما تقدم إلا أنه لم يتوسط العامل.

وقوله: " يَهْدُونَ " صفة لـ " أئمةً " و " بأَمْرِنَا " متعلق بـ " يَهْدُونَ " وقد تقدم التصريف المتعلق بلفظ " أَئِمَّة " وقراءة القراء فيها.

فصل

المعنى: " وَكُلاً " من إبراهيم وإسحاق ويعقوب " جَعَلْنَا صَالِحِينَ ".

قال الضحاك: أي: مرسلين، وقال آخرون: عاملين بطاعة الله. " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً " يقتدى بهم في الخبر " يَهْدُونَ " يدعون الناس إلى ديننا { بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ } أي: العمل بالشرائع. وقال أبو مسلم: المراد النبوة. " وَإِقَام الصَّلاَةِ " أي: وإقامة الصلاة، يعني المحافظة. { وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَٰوةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } موحدين. دلَّت هذه الآية على أنَّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، لأنَّ قوله تعالى: { وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } يدل على أنّ الصلاح من قبله.

وأجاب الجبائي: بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم " صَالِحِيْنَ " ويكونهم " أَئِمَّةٌ " وبكونهم " عَابِدَيْنَ " ، ولما مدحهم بذلك، وإذا كان كذلك فلا بُدَّ من التأويل وهو من وجهين:

الأول: أنْ يكونَ المراد أنه تعالى أتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.

والثاني: أنَّ المراد تسميتهم بذلك كما يقال: زيد فسق فلاناً وكفره، إذا وصفه بذلك وكان مصدقاً عند الناس، وكما يقال في الحاكم زكى فلاناً، وعدله، وجرحه، إذا حكم بذلك. والجواب: المعارضة بمسألة العلم والداعي، وأما الحمل على اللطف فباطل، لأنَّ فعل الإلطاف عام في المكلفين، فلا بُدَّ في هذا التخصيص من مزيد فائدة، ولأنّ قوله: جعلته صالحاً كقولك: جعلته متحركاً، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر. وأما الحمل على التسمية فمحال، لأنّ ذلك إنما يصار إليه إلا عند الضرورة في بعض المواضع، ولا ضرورة ههنا إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم وحينئذ نرجع إلى مسألتي الداعي والعلم.

قوله: " فِعْلَ الخَيْرَاتِ " قال الزمخشري: أصله أنْ تفعل الخيرات، ثم فعلا الخيرات، (ثم فعل الخيرات) وكذلك " إقَام الصلاةِ وإِيتَاء الزكَـاةِ ".

السابقالتالي
2