الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } أي: أحد ثلاثة آلهةٍ، بمعنى واحد منها، وهم الله ومريم وعيسى.

قال بعضهم: كانت فرقة منهم تسمى (كولي ري دينس) تقول: الآلهة ثلاثة: الأب والابن ومريم.

وجاء في كتاب (علم اليقين): أن فرقة منهم تسمى (المَرْيَمييِّن) قال: يعتقدون أن المريم والمسيح إلهان. قال: وكذلك البربرانيّون وغيرهم. انتهى.

وأسلفنا عن ابن إسحاق أنّ نصارى نجران، منهم من قال بهذا أيضاً.

أو المعنى: أحد ثلاثة أقانيم كما اشتهر عنهم. أي: هو جوهر واحد، ثلاثة أقانيم. أب وابن وروح القدس. وزعموا، أن الأب إله والابن إله والروح إله والكلّ إله واحد. كما قدمنا عنهم في قوله تعالى:وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } [النساء: 171].

قال الرازيّ رحمه الله: واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل. فإن الثلاثة لا تكون واحداً، والواحد لا يكون ثلاثة. ولا يرى في الدنيا مقالة أشدّ فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى. انتهى.

وقد صنفت عدة مصنفات في تزييف معتقدهم هذا، وهي شهيرة متداولة، والحمد لله.

لطيفة

اتفق النحاة واللغويون على أن معنى قولهم: ثالث ثلاثة ورابع أربعة... ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقاً. لا الوصف بالثالث والرابع.

وفي التوضيح وشرحه: لك في اسم الفاعل المصوغ من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما أن تستعمله على سبعة أوجه:

أحدها: أن تستعمله مفرداً عن الإضافة، ليفيد الاتصاف بمعناه. فتقول: ثالث ورابع، ومعناه حينئذٍ واحد موصوف بهذه الصفة وهي كونه ثالثاً ورابعاً.

الوجه الثاني: أن تستعمله مع أصله الذي صيغ هو منه، ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير. فتقول: خامس خمسة أي: واحد من خمسة لا زائد عليها، ويجب حينئذٍ إضافته إلى أصله. كما يجب إضافة البعض إلى كله. كـ: يد زيدٍ، قال تعالى:إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } [التوبة: 40] وقال تعالى: { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ }. وزعم الأخفش وقطرب والكسائيّ وثعلب أنه يجوز إضافة الأول إلى الثاني، ونصبه إياه. فعلى هذا يجوز ثالث ثلاثةٍ بجرّ " ثلاثة " ونصبها. كما يجوز في (ضارب زيد).

الوجه الثالث: أن تستعمله مع ما دون أصله الذي صيغ منه بمرتبة واحدة، ليفيد معنى التصيير، فتقول: هذا رابع ثلاثة أي: جاعل الثلاثة بنفسه أربعة؛ قال تعالى:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } [المجادلة: 7]، أي: إلا هو مصيرهم أربعة ومصيرّهم ستة. ويجوز حينئذ إضافته وإعماله، كما يجوز الوجهان في جاعل ومصير ونحوهما.

وانظر تتمة الأوجه.

وبما ذكرناه يعلم ردّ ما ذهب إليه الجامي في (شرح الكافية) من اعتبار الصفة في نحو (ثالث ثلاثة) حيث قال في شرح قول ابن الحاجب (ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ): أي: أحدها.

السابقالتالي
2