الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } ففى هذا الإخبار بالغيب معجزة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإبطال حيلتهم، وإبطال تأثيرهم فى قلوب المؤمنين الضعفاء، وردعاً لليهود عن مثل هذا الاحتيال، إذ كانوا يفضحهم الوحى. وقيل المراد طائفة منهم كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وقيل المراد هما قالوا لأصحابهم لما حولت القبلة بالمدينة عن بيت المقدس إلى الكعبة، آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة أول النهار، وصلوا لها الفجر، واكفروا آخره فصلوا إلى آخره إلى الصخرة صخرة بيت المقدس لعلهم يقولون هم أعلم فيرجعون عن قبلة محمد إلى قبلتنا، وذلك أنه شق على اليهود التحول إلى الكعبة، وبهذا فسر مجاهد. وأخبر الله تعالى نبيه، صلى الله عليه وسلم، بذلك. ووجه النهار أوله، ووجه الشىء أوله لأن أوله أول ما يواجهك منه، ومن شدة جهلهم وتسامحهم فى ديانتهم، أنه تصور عندهم إمكان أن يؤمنوا بدين من اتبع دينهم، وهو مستحيل إذا كان على التحقيق، لأنهم إذا آمنوا لمن تبع دينهم، فليسوا باقين على دينهم، وكيف يدخلون ديناً تركه صاحبه لبطلانه وهو أيضاً عندهم باطل؟ ويجوز أن يكون المعنى لا تظهروا أنكم تظهرون الإيمان، أول النها، إلا لمن كان على دينكم لأنه أسهل رجوعاً وأهم، فإنكم إذا أخبرتم المؤمنين أنكم تظهرون إيماناً ليس بكم لم ينخدعوا لكم، وعدى الإيمان باللام لتضمنه معنى الإقرار، وقيل اللام للتأكيد فى المفعول به، أى لا تصدقوا إلا من تبع دينكم. { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } إن السيرة التى تعد هدى هى ما سماها الله هدى وهى ما عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وغير ذلك ضلال. { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } هو على تقدير الباء وتعلق بتؤمنوا، وما أوتيتم هو التوراة، ومثله هو القرآن، أى لا تظهروا أنكم آمنتم بأن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم، إلا لمن تبع دينكم، وذلك أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أوتوا القرآن ينزل عليهم، كما أوتى موسى عليه السلام وأمته التوراة، وأرادوا أن يظهروا وجه النهار أن محمداً وأصحابه أتوا القرآن كما أوتى موسى وأمته التوراة، وهو قولهآمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } وقالوا لا تظهروا ذلك إلا لمن تبع دينكم فجملة { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } معترضة تفيد أم كيدهم لا يؤثر شيئاً، وذلك لأنهم أخبروا بإيمانهم الذى فى قلوبهم، وجحدوه ظلماً وعلوا، من ليس على دينهم من المشركين أسلم المشركون وإن أخبروا المؤمنين زادوا ثباتاً، وفى ذلك تسمية ما فى قلوبهم من العلم، برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إيماناً وليس بأفعالهم، لأنهم يعلمون فى مناقضته وينكرونه بألسنتهم ويصدون عنه، وذلك من كلام الطائفة غير قوله { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه }.

السابقالتالي
2