{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } إلى آخر قصتهم. أي: { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ ثَمُودَ } القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله من أرض الحجاز وجزيرة العرب، أرسل اللّه إليهم { أَخَاهُمْ صَالِحاً } نبياً يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد، وينهاهم عن الشرك والتنديد، فـ { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين، الأمر بعبادة اللّه، وبيان أنه ليس للعباد إله غير اللّه، { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي: خارق من خوارق العادات، التي لا تكون إلا آية سماوية لا يقدر الناس عليها، ثم فسرها بقوله: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } أي: هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها إلى اللّه تعالى إضافة تشريف، لكم فيها آية عظيمة. وقد ذكر وجه الآية في قوله:{ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [الشعراء: 155]. وكان عندهم بئر كبيرة، وهي المعروفة ببئر الناقة، يتناوبونها هم والناقة، للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها، ولهم يوم يردونها، وتصدر الناقة عنهم. وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام: { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } فلا عليكم من مئونتها شيء، { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } أي: بعقر أو غيره، { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ } في الأرض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم { مِن بَعْدِ عَادٍ } الذين أهلكهم اللّه، وجعلكم خلفاء من بعدهم، { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: مكن لكم فيها، وسهل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً } أي: من الأراضي السهلة التي ليست بجبال، تَتَخذون فيها القصور العالية والأبنية الحصينة، { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً } كما هو مشاهد إلى الآن من أعمالهم التي في الجبال، من المساكن والحجر ونحوها، وهي باقية ما بقيت الجبال، { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } أي: نعمه، وما خولكم من الفضل والرزق والقوة، { وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي: لا تخربوا الأرض بالفساد والمعاصي، فإن المعاصي تدع الديار العامرة بلاقع، وقد أخلت ديارهم منهم، وأبقت مساكنهم موحشة بعدهم. { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي: الرؤساء والأشراف الذين تكبروا عن الحق، { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ولما كان المستضعفون ليسوا كلهم مؤمنين، قالوا { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } أي: أهو صادق أم كاذب؟. فقال المستضعفون: { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } من توحيد اللّه والخبر عنه وأمره ونهيه. { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } حملهم الكبر أن لا ينقادوا للحق الذي انقاد له الضعفاء. { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } التي توعدهم إن مسوها بسوء أن يصيبهم عذاب أليم، { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أي: قسوا عنه، واستكبروا عن أمره الذي من عتا عنه أذاقه العذاب الشديد. لا جرم أحل اللّه بهم من النكال ما لم يحل بغيرهم { وَقَالُواْ } مع هذه الأفعال متجرئين على اللّه، مُعَجِّزين له، غير مبالين بما فعلوا، بل مفتخرين بها: { يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } إن كنت من الصادقين من العذاب، فقال: