الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ }.

أي: أخبروني عن النَّارِ التي تظهرونها بالقَدْحِ من الشجر الرطب.

و " تُوُرون ": من أوريت الزند، أي: قدحته فاستخرجت ناره، وورى الزند يري أي: خرجت ناره، وأصل " تُورُون " توريون.

والشَّجرة التي يكون منها الزناد هي المَرْخُ والعفار.

ومنه قولهم: " فِي كُلِّ شجرٍ نارٌ، واستَمْجدَ المَرْخُ والعَفَارُ ".

أي: استكثروا منها، كأنهما أخذا من النَّار ما حسبهما.

وقيل: إنهما يسرعان الوَرْي.

قوله تعالى: { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ }.

أي: المخترعون الخالقون، أي: فإذا عرفتم قُدرتي، فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث.

قوله: { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً }.

يعني: نار الدنيا موعظة للنار الكبرى. قاله قتادة.

وقال مجاهد: تبصرة للناس من الظَّلام.

قال عليه الصلاة والسلام: " " إنَّ نَاركُمْ هذه الَّتي توقدونها يا بني آدَمَ جزءٌ من سَبْعينَ جُزْءاً من نَارِ جهنَّم " ، فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: " فإنَّهَا فُضِّلتْ عليْها بِتسْعَةٍ وسِتينَ جُزْءاً، كُلُّهن مثلُ حرِّها " ".

قوله: { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ }.

يقال: أقوى الرَّجل إذا حلَّ في الأرض القواء، وهي القفر، كـ " أصحر ": دخل في الصحراء، وأقوت الدَّار: خلت من ذلك؛ لأنها تصير قَفْراً.

قال النابغة: [البسيط]
4703- يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ   أقْوَتْ، فطال عليْهَا سالفُ الأمَدِ
قال الضحاك: " متاعاً للمقوين " أي منفعة للمسافرين، سموا بذلك لنزولهم القوى، وهي القفر التي لا شيء فيها، وكذلك القوى والقواء - بالمد والقصر -.

ومنزل قواء: لا أنيس به، يقال: أقوت الدار، وقويت أيضاً، أي خلت من سكانها. قال: [الكامل]
4704- حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقَادمَ عَهْدُهُ   أقْوَى وأقْفَرَ بَعْدَ أمِّ الهَيْثَمِ
وقال مجاهد: " للمقوين " أي المنتفعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله منها.

وقال ابن زيد: للجائعين في إصلاح طعامهم.

يقال: أقويت منذ كذا وكذا، أي ما أكلت شيئاً، وبات فلان القواء وبات القَفْرَ، إذا بات جائعاً على غير طعم.

قال الشاعر: [الطويل]
4705- وإنِّي لأخْتَارُ القَوَى، طاويَ الحَشَا   مُحافَظَةً مِنْ أن يُقالَ: لَئِيمُ
وقال قطرب: المقوي من الأضداد، يكون بمعنى الفقير، ويكون بمعنى الغني.

يقال: أقوى الرجل إذا لم يكن معه زادٌ، ويقال للفقير: مُقْوٍ إذا لم [يكن] معه مالٌ.

وتقول العربُ: أقويت منذ كذا، أي: ما أكلت شيئاً، وأقوى: إذا قويت دوابه، وكثر ماله ليقويه على ما يريد.

وقال المهدوي: والآية تصلح للجميع؛ لأن النَّار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير.

وقال القشيري: وخصّ المسافر بالانتفاع بها؛ لأنَّ انتفاعه أكثر من انتفاع المقيم؛ لأنَّ أهل البادية لا بُدَّ لهم من النَّار يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السِّباع، وفي كثير من حوائجهم.

السابقالتالي
2