الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ } قال الشهاب: لم يقل: خلفاء عاد، إشارة إلى أن بينهما زماناً طويلاً. { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: أنزلكم في أرض الحجر. والمباءة المنزل { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً } أي: تبنون في سهولها قصوراً لتسكنوها أيام الصيف. فـ (من) بمعنى (في)، كقوله تعالى:نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } [الجمعة: 9] أو هي ابتدائية، أو تبعيضية، أي: تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل وهي الطين. والسهل خلاف الحَزْن، وهو موضع الحجارة والجبال: { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً } أي: لتسكنوها أيام الشتاء. والجبال إما مفعول ثان بتضمين (نَحَتَ) معنى (اتخذ)، أو منصوب بنزع الخافض، على ما جاء في الآية الأخرى: والنحت معروف في كل صلب، ومضارعه مكسور الحاء. وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق: وقرئ تنحاتون بالإشباع، كـ (ينباع)، أفاده الشهاب.

بحث الإشباع في وسط الكلمة: أقول: بهذه القراءة يستدل على ثبوت الإشباع في وسط الكلمة لغة. ومثله (ينباع) المذكورة، هي من قول عنترة:
يَنْبَاع من ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ   
أي: ينبع العرق من خلف أذن ناقة غضوب، فأشبع الفتحة لإقامة الوزن، فتولدت من إشباعها ألف. ومثله قولنا (آمين)، والأصل (أمين) فأشبعت الفتحة، فتولدت من إشباعها ألف - قاله الزوزنيّ.

ومثله (استكان) على القول بأنه افتعل من (السكون)، فزيدت الألف لإشباع الفتحة. كما في (شرح الشافية).

ومنه (عَقْرَاب) - قال في (تاج العروس): سمع العَقْرَاب في اسم الجنس. قال:
أعوذ بالله من العَقْرَابِ   الشائلاتِ عُقَد الأذْنَابِ
قال: وعند أهل الصرف ألف (عقراب) للإشباع، لفقدان (فَعلال) بالفتح - انتهى.

وقوله تعالى: { فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ } أي: نعمه عليكم لتصرفوها إلى ما خلقها لأجله. { وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } بالمعاصي وعبادة غيره تعالى.