الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَي وَالْجَلاَّسِ بْنِ سُوَيدٍ وَعَامِرِ ابْنِ النُّعْمَانِ وَغَيْرِهِمْ، كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ بتَبُوكَ وَسَمَّاهُمْ رجْساً، فَقَالَ الْجَلاَّسُ: لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقّاً عَلَى إخْوَانِنَا فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَسَمِعَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسِ، فَقَالَ: أجَلْ وَاللهِ إنَّ مُحَمَّداً لَصَادِقٌ وَلأَنْتُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ.

فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ أخْبَرَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ بِمَا قَالَ الْجَلاَّسُ، فَقَالَ الْجَلاَّسُ: يَكْذِبُ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ أنْ يَحْلِفَانِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَلَفَا جَمِيعاً، فَرَفَعَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أنْزِلْ عَلَى نَبيِّكَ وَبَيِّنِ الصَّادِقَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " آمِينَ " فََأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةِ). ومعناها: يحلِفان المنافقون باللهِ ما تكلَّموا بكَلِمةِ الكُفرِ ولقد تكلَّموا بها وأظهَرُوا الكفرَ بعدَ إظهارِهم الإسلامَ. وَقِيْلَ: كفَرُوا بقولِهم ذلك بعدَ ما كانوا أسلَمُوا على زَعمِهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }؛ أي قصَدُوا إلى ما لم يَصِلوا إلى ذلك، والْهَمُّ بالشَّيءِ في اللُّغَة: مقاربته دون الوقُوعِ فيه، قِيْلَ: إنَّهم كانوا هَمُّوا بقتلِ الذي أنكرَ عليهم قولَهم. وَقِيْلَ: معنى الآية: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى غزوةِ بَني الْمُصْطَلِقِ، وقد جَمَعُوا له ليُقاتِلوا، فالتَقَوا على مائِهم فهزَمَهم اللهُ وسَبَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبناءَهم ونساءَهم ورجعَ، فلما نَزَلَ مَنْزِلاً في الطريقِ اختصمَ رجلٌ من أصحاب عبدِالله بن أبَيٍّ ورجلٌ من المخلصِينَ غَفَّاري يقالُ له جَهْجَاهُ، فلطمَ الغفاريُّ صاحبَ عبدِاللهِ بن أُبَي، فغضبَ عبدُالله وقالَ: مَا صَحِبْنَا مُحَمَّداً إلاَّ لِتُلْطَمَ، ثم نظرَ إلى أصحابهِ قال: لقد أمرتُكم أن تكفُّوا طعامَكم عن هذا الرجلِ ومَن معه حتى يتفرَّقوا فلم يفعلوا، واللهِ لئن رجَعنا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فقال الغفاريُّ: أتَقُولُ مِثْلَ هَذا؟! وَاللهِ لَئِنْ شِئْتُ لأَلْطُمَنَّكَ، قال عبدُاللهِ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ! فقال زيدُ بن أرقم وكان غُلاماً حديثَ السنِّ: يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ رَسُولِهِ، أتَقُولُ هَذا؟! وَاللهِ لأُبَلِّغَنَّ رسُولَ اللهِ مَا قُلْتَ.

ثم انطلقَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأعلمَهُ وعنده عمرُ رضي الله عنه، فقال عمرُ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْ عَبَّادَ بْنَ قَشٍّ فَيَقْتُلَهُ، فَقَالَ: " يَا عُمَرُ إذاً يُحَدِّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصْحَابَهُ " فبلغَ عبدَالله بن أُبَي ما قالَ زيدُ بن أرقم، فمشَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعه أشرافُ الأنصار يصَدِّقونه ويكذِّبون زيداً ويقولون: يُخْشَى أنْ يَكُونَ زيْدٌ قَدْ وَهِمَ، وكان أبنُ أُبَيٍّ يحلفُ باللهِ ما قالَ ذلك، فقالَ أُسَيْدُ: يَا رَسُولَ اللهِ ارْفِقْ بعَبْدِاللهِ، فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بكَ وَإنَّ قَوْمَهُ لَيُتَوِّجُونَهُ، فَهُوَ يَرَى أنَّكَ سَلَبْتَهُ مُلْكاً عَظِيماً.

السابقالتالي
2