الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

والحق سبحانه وتعالى يعطي له صلى الله عليه وسلم ما يسليه ويصبّره على مشقات الدعوة لأن الدعوة للإسلام في أوله أرهقت رسول الله وأصحاب رسول الله، فيريد سبحانه أن يعطيهم مُثُلاً حدثت للرسل، وهنا يأتي الحق بخبر عن أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } [الأنعام: 74]. وساعة أن تسمع " إذ " فافهم أن " إذ " ظرف، أي واذكر جيداً الوقت الذي قال فيه إبراهيم لأبيه آزر " أتتخذ أصناماً آلهة "؟ وما دمت تذكر هذه، ففي التذكرة تسلية لك عما يصيبك في أمر الدعوة. وهنا وقف العلماء وقفة طويلة، وتساءل بعضهم: هل آزر هو أبو إبراهيم، أو أن والده هو تارخ؟ وقلت من قبل: إن الأبوة تمثل ما هو أصل للفرد فالأب، والجد، وجد الجد أب، وأطلقت الأبوة على المساوي للأب، مثل العم. وجاء مثل هذا في القرآن حين قال الحق سبحانه:أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ } [البقرة: 133]. وآباء هنا جمع، وإذا ما عددنا هؤلاء الآباء نجدهم: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، والكلام من يعقوب، وأبوه إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم، وبرغم ذلك جاء سيدنا إسماعيل وسط هؤلاء الآباء، فكأنك إن وزعتها قلت: " إبراهيم أب، ويبقى اثنان: هما إسماعيل وإسحاق. وإسماعيل هو أخ لإسحاق، كأن القرآن نطق بأن العلم يطلق عليه أب ". وأقول ذلك لأضفي مسألة وقع فيها اللغط الكثير فالبعض من العلماء قال: هل كان آزر أباً لإبراهيم والحديث الشريف يقول: " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ". فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من سلسلة نسب مُوَحِّد لا يمكن أن يكون للشرك فيه مجال، وآزر كان مشركاً، وما دام الحق يقول في آية أخرى:إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة: 28]. فلو أن آزر الوالد الحقيقي لإبراهيم لكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ذريته. وأرى أنه عمّه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " ، وهو قول يدل على أن نسبة الشريف مطهر من الشرك من جهة الآباء ومن جهة الأمهات، إذن فلا يصح أن نعتقد أن أبا إبراهيم هو آزر لأنه كان على هذا الوضع مشركا، لكن كيف نفسر قول الحق سبحانه وتعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ }؟. نقول: إننا نأخذ اللغة، ونأخذ استعمالات القرآن في معنى الأبوة. والقرآن صريح في أن الأبوة كما تطلق على الوالد الحقيقي الذي ينحدر الولد من صلبه تطلق كذلك على أخي الوالد أو عمه.

السابقالتالي
2 3 4 5