الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }

" لا " زائدة من قبيل قوله:لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [الحديد:29] وقيل: " لا " يزاد في القسم، فيقال: " لا والله " و " لا وعمرِك " وكقول امرئ القيس:
لا وأبيكِ ابنةَ العامري   لايدّعي القومُ انّي أفِرّ
وقيل: " لا " ردٌّ لما يقوله الكفّار في القرآن إنّه سحر مفترى أو كهانة، ثمّ استأنف الكلامَ وأقسم. وقيل: " لا " مثبتة، والمعنى: لا أقسم على هذه الأشياء فإنّ الأمر أظهر من أن يحتاج فيه إلى اليمين.

ومَواقِع الْنُجُوم، قيل: هي مساقطها أو مغاربها، وجّهه في الكشّاف بأنّه لعلّ لله في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى الغروب أفعالاً مخصوصة عظيمة، أو للملائكة عبادات موصولة، أو لأنّه وقت قيام المتهجّدين والمبتهلين إليه.

وفيه ما لا يخفى من الخدش: فإنّ سقوط النجم وغروبه لا يختصّ بآخر الليل، بل ما من وقت إلاّ ويكون فيه أفول نجم وغروب نوره في الأفق.

وقيل: أراد بمواقعها منازلها ومساراتها، وله تعالى في ذلك من الدليل على عظمة القدرة والحكمة ما لا يحيط به الوصف، ولا يبعد أن يكون المراد بها النجوم أنفسها لأنّها مواقع قدرة الله ومنازل جوده وحكمته بأن تكون الإضافة بيانيّة. أو يراد بالنجوم نفوسها المنورة. وبالمواقع أجرامها التي هي مواقع تلك الأنوار - فتكون الإضافة لاميّة -.

وفي الشواذّ قرأ الحسن والثقفي " فَلا أقسم " بمعنى: " فَلاَنَاً أقسِم " بلام ابتدائيّة دخلت على جملة مِن مُبتدأ وخبر، ثمّ حذف المبتدأ وهو " أنَا " وليس لامُه للقسم لعدم اقترانها بالنون المؤكّدة - كما هو دأبهم - ولأنّ فعل القسم يجب أن يكون للحال وجوابه للاستقبال.

وقوله: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } جملة وقعت اعتراضاً بين القسم والمقسم عليه وهو قولهإِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقعة:77]. " ولو تَعلَمونَ " اعتراض بين موصوف وصفة، فهو اعتراض في اعتراض.

وإنّما وصف هذا القسم بالعظمة المقسَم به، فإنّ الله سبحانه قد عظَّم أمر السماء وما فيها من الكواكب، فكم من سورةٍ يشتمل على تفخيمها في مواضع، وكم من قسم أقسَم به القرآن كقوله:وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج:1]وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } [الطارق:1]وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } [الشمس:1 - 2]فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } [التكوير:15 - 16]وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم:1]. وذلك لشرفها ونوريّتها وملكوتها ودوام دورتها وطاعتها لله تعالى، وسرعة حركاتها الدوريّة والإراديّة في طلب الحقّ الأوّل وتلألؤ جماله وورود إشراقاته عليها لا لداعٍ حيواني من شهوة أو غضب أو التفات لها إلى ما دونها.

فلها في كلّ إشراق أشواق، وفي كلّ شوق وجْد ورقص وخضوع، ولكلّ حركة وسجود وركوع لمعة أخرى وشروق نور آخر، فهكذا تدوم الإشراقات العقليّة بدوام الحركات الدوريّة، وتدوم الحركات الشوقيّة بدوام اللمعات الإلهيّة، وما من موضع في السماء إلاّ وفيه مَلَك ساجد وراكع من نفس أو عقل.

السابقالتالي
2 3