قوله: { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }. المستقيم: القائم بالآيات والحجج، ليس كالسبيل التي يسلكون هم بلا آيات ولا حجج ولا برهان. وقوله: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ }. هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن إنكارهم البعث والآخرة هو الذي حملهم على العدول عن الصراط المستقيم. والثاني: الصراط الذي في الدنيا هو المجعول للآخرة؛ فإذا تركوا سلوكه؛ لشهوات منعتهم عن ذلك - أنكروا الآخرة، أو كلام نحو هذا، وقوله: { لَنَاكِبُونَ } ، أي: لعادلون، من العدول عنه والمجانبة والميل إلى غيره. وقوله: { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }. ذكر الضر، ولم يذكر أي شيء كان، وليس لنا أن نقول: كان الجوع أو كذا إلا بثبت، وفيه وجهان من المعتبر: أحدهما: أن رفع المحن التي امتحنهم من البلايا والشدائد إنما يكون برحمة منه وفضل، لا على ما قاله بعض الناس بالاستحقاق؛ حيث ذكر رحمته بكشف ذلك عنهم. والثاني: فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر أنه، إن كشف ذلك الضر عنهم، { لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }؛ فكشف عنهم ذلك فلجوا في طغيانهم على ما أخبر؛ فدل أنه بالله عرف ذلك، والله أعلم. وقوله: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }. يخبر عن سفههم وجهلهم بالله، وقسوة قلوبهم، وتمردهم وعنادهم؛ حيث أخبر أنهم وإن أخذوا بالعذاب لم يتضرعوا إليه، وما استكانوا له بجهلهم بعذاب الله؛ حيث أخبر أنهم، وإن أخذوا [لم يستكينوا]. [وقوله:] { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }. اختلف في قوله: { مُبْلِسُونَ }: قال بعضهم: المبلس: الآيس من كل خير، وهو ما وصفهم أنهم:{ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } [هود: 9]، و{ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } [فصلت: 49]، ونحوه. وقال الزجاج: المبلس: الساكن المتحير لا يدري ما يعمل به فعلى ذلك هم كانوا حيارى لما نزل بهم العذاب، لا يدرون ما يعملون به في دفع ذلك عنهم. وقال الكسائي: المبلس: المقطع السيئ الظن، قال: ومنه سمي إبليس؛ لأنه أيس من رحمة الله، وانقطع رجاؤه عنده. وقال أبو عوسجة: [المبلس] البائس الحزين، ويقال: أبلس الرجل، أي: أيس فحزن، وأبلس غيره أيضاً، وإنما سمي إبليسُ إبليس؛ لأنه يئس عن رحمة الله فحزن. قال: وقوله: { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ } ، أي: لم يذلوا لربهم بالطاعة له، والخضوع لما ذكرنا.