الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ }

قوله: { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ }: " ما " موصولةٌ بمعنى الذي، صلتُها " إنَّ " وما في حَيِّزها، ولهذا كُسِرَتْ. ونَقَل الأخفش الصغير عن الكوفيين مَنْعَ الوَصْلِ بـ " إنَّ " ، وكان يَسْتَقْبح ذلك عنهم. يعني لوجودِه في القرآن.

قوله: { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الباءَ للتعديةِ كالهمزةِ، ولا قَلْبَ في الكلام. والمعنىٰ: لَتُنِيْءُ المفاتيحُ العُصْبَةَ الأقوياءَ، كما تقولُ: أَجَأْتُه وجِئْتُ به، وأَذْهَبْتُه وذَهَبْتُ به. ومعنى ناء بكذا: نَهَضَ بِهِ بثِقَلٍ. قال:
3626ـ تَنُوْءُ بأُخْراها فَلأْياً قِيامُها     وَتَمْشِي الهَوَيْنَىٰ عن قَريبٍ فَتَبْهَرُ
وقال أبو زيد: " نُؤْتُ بالعَمَل أي: نَهَضْتُ ". قال:
3627ـ إذا وَجَدْنا خَلَفاً بِئْسَ الخَلَفْ     عبداً إذا ما ناء بالحِمْلِ وَقَفْ
وفَسَّره الزمخشريُّ بالإِثْقال. قال: " يُقال: ناء به الحِمْلُ، حتى أَثْقله وأماله " وعليه يَنْطبقُ المعنى أي: لَتُثْقِلُ المفاتحُ العُصْبةَ.

والثاني: أنَّ في الكلام قَلْباً، والأصلُ: لَتَنُوْءُ العُصْبةُ بالمفاتحِ، أي: لَتَنْهَضُ بها. قاله أبو عبيد، كقولهم: " عَرَضْتُ الناقةَ على الحَوْضِ ". وقد تقدم الكلامُ في القَلْبِ، وأنَّ فيه ثلاثةَ مذاهبَ.

وقرأ بُدَيْل بن مَيْسَرة " لَيَنُوْءُ " بالياء مِنْ تحتُ والتذكير؛ لأنه راعىٰ المضافَ المحذوفَ. إذ التقديرُ: حِمْلُها أو ثِقْلُها. وقيل: الضَمير في " مفاتِحَه " لقارون، فاكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكيرَ كقولِهم: " ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ " قاله الزمخشري. يعني كما اكتسبَ " أهلُ " التأنيثَ اكتسَبَ هذا التذكيرَ.

قوله: { إِذْ قَالَ } فيه أوجهٌ: أَنْ يكونَ معمولاً لتنوءُ. قاله الزمخشري: أو لـ " بَغَىٰ " قاله ابنُ عطية. ورَدَّهما الشيخُ:/ بأنَّ المعنىٰ ليس على التقييد بهذا الوقتِ. أو لـ " آتيناه " قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ: بأن الإِتياءَ لم يكنْ ذلك الوقتَ، أو لمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء: بَغَى عليهم. وهذا يَنْبغي أَنْ يُرَدَّ بما رُدَّ به قولُ ابنِ عطية. وقَدَّره الطبري: اذكُرْ، وقَدَّره الشيخُ: أظهر الفرحَ وهو مناسِبٌ.

وقُرِىء " الفارِحين " حكاها عيسى الحجازي.