الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

يقول تعالـى ذكره: فـانطلق موسى والعالـم { حَتَّـى إذَا أتَـيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعمَا أهْلَها } من الطعام فلـم يطعموهما واستضافـاهم { فَأبَوْا أن يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدَا فِـيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ } يقول: وجدا فـي القرية حائطا يريد أن يسقط ويقع يقال منه: انقضّت الدار: إذا انهدمت وسقطت ومنه انقضاض الكوكب، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه ومنه قول ذي الرُّمة:
فـانْقَضَّ كالكَوْكَبِ الدُّرّي مُنْصَلِتا   
وقد رُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأ ذلك: «يُرِيدُ أنْ يَنْقاضَّ». وقد اختلف أهل العلـم بكلام العرب إذا قرىء ذلك كذلك فـي معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم: مـجاز ينقاضّ: أي ينقلع من أصله، ويتصدّع، بـمنزلة قولهم: قد انقاضت السنّ: أي انصدعت، وتصدّعت من أصلها، يقال: فراق كقبض السنّ: أي لا يجتـمع أهله. وقال بعض أهل الكوفة منهم: الانقـياض: الشقّ فـي طول الـحائط فـي طيّ البئر وفـي سنّ الرجل، يقال: قد انقاضت سنة: إذا انشقَّت طولاً. وقـيـل: إن القرية التـي استطعم أهلها موسى وصاحبه، فأبوا أن يضيفوهما: الآيـلة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـحسين بن مـحمد الذارع، قال: ثنا عمران بن الـمعتـمر صاحب الكرابـيسي، قال: ثنا حماد أبو صالـح، عن مـحمد بن سيرين، قال: انتابوا الأيـلة، فإنه قلّ من يأتـيها فـيرجع منها خائبـا، وهي الأرض التـي أبوا أن يضيفوهما، وهي أبعد أرض الله من السماء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فـانْطَلَقا حتـى إذَا أتـيَا أهْلَ قَرْيَةٍ } ، وتلا إلـى قوله { لاتَّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْراً } شرّ القرى التـي لا تُضِيف الضيف، ولا تعرف لابن السبـيـل حقه. واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى قول الله عزّ وجلّ { يَرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ } فقال بعض أهل البصرة: لـيس للـحائط إرادة ولا للـمَوَات، ولكنه إذا كان فـي هذه الـحال من رثة فهو إرادته. وهذا كقول العرب فـي غيره:
يُرِيدُ الرُّمْـحُ صَدْرَ أبـي بَرَاءٍ   وَيَرْغَبُ عَنْ دِماء بَنِـي عُقَـيْـلِ
وقال آخر منهم: إنـما كلـم القوم بـما يعقلون، قال: وذلك لـما دنا من الانقضاض، جاز أن يقول: يريد أن ينقضّ، قال: ومثلهتَكادُ السَّمَواتُ يَتَفَطَّرْن } وقولهم: إنـي لأكاد أطير من الفرح، وأنت لـم تقرب من ذلك، ولـم تهمّ به، ولكن لعظيـم الأمر عندك. وقال بعض الكوفـيـين منهم: من كلام العرب أن يقولوا: الـجدار يريد أن يسقط قال: ومثله من قول العرب قول الشاعر:
إنّ دهْراً يَـلُفُّ شَمِلـي بِجُمْلٍ   لَزَمانٌ يَهُمُّ بـالإِحْسانِ
وقول الآخر:
يَشْكُو إلـيَّ جَمَلِـي طُولَ السُّرَى   صَبْراً جَمِيلاً فَكِلانا مُبْتَلَـى
قال: والـجمل لـم يشك، إنـما تكلَّـم به علـى أنه لو تكلـم لقال ذلك قال: وكذلك قول عنترة:
وَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبـانِهِ   وشَكا إلـيَّ بعَبْرَةٍ وتَـحَمْـحُمِ
قال: ومنه قول الله عزّ وجلّ:

السابقالتالي
2 3