{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء: 73] يشير إلى أن الأمانة أيضاً من المواهب، فينبغي أن يكون الإمام هادياً بأمر الله لا بالطبع والهوى، وإن كان له أهلية الهداية. وبقوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء 73] يشير إلى أن هذه المعاملات لا يصدر من الإنسان إلا بالوحي للأنبياء وبالإلهام للأولياء، وإلا طبيعة نفس الإنسان أن تكون أمارة بالسوء، وبقوله تعالى: { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } [الأنبياء: 74] يشير إلى أن الحكمة الحقيقية والعلم النافع أيضاً من مواهب الله وفضله يؤتيهما من يشاء. وبقوله تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [الأنبياء: 74] يشير إلى أن النجاة من الجليس السوء من المواهب والاقتران معهم من الخذلان، وقوله تعالى: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الأنبياء: 75] إشارة إلى أن الرحمة على نوعين: خاص وعام؛ فالعام: منها يصل إلى كل بر وفاجر كقوله تعالى:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف: 156] والخاص: لا يكون إلا للخواص وهو الدخول في الرحمة، وذلك متعلق بالمشيئة وحسن الاستعداد، قال: { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الأنبياء: 75] أي: من المستعدين؛ لقبول فيض رحمتنا والدخول فيها، وهو إشارة إلى مقام الوصول، فافهم جيداً كقوله تعالى:{ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [الإنسان: 31]. { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ } [الأنبياء: 76] أي: من قبل أن يخرج من كتم العدم. { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [الأنبياء: 76] وهو كتم العدم، وهذا أيضاً من المواهب { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأنبياء: 77] أي: ميزنَّاه وهديناه من بين قوم خذلناهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ } [الأنبياء: 77] في تقدير الأزل { فَأَغْرَقْنَاهُمْ } [الأنبياء: 77] في لُجِّي بحر البشرية في ماء هوى النفسانية { أَجْمَعِينَ } [الأنبياء: 77] ليتحقق أن الهداية والخذلان منه سبحانه وتعالى.