الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

روى المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ } الآية روايات منها ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حلف على مال امرىء مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان " قال عبد الله. ثم قرأ علينا رسول الله مصداقه من كتاب الله، { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } إلخ. وفى رواية قال " من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقى الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله - تعالى - تصديق ذلك { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ }. قال عبد الله فدخل الأشعث بن قيس فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا. فقال صدق. فى نزلت، كان بينى وبين رجل خصومة فى بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه؟ قلت إنه إذاً يحلف ولا يبالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان " ، ونزلت { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ }. وروى البخارى عن عبد الله بن أوفى أن رجلا أقام سلعة فى السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ }. وقال الفخر الرازى قال عكرمة إنها نزلت فى أحبار اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم فى التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا بأنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا ". هذه ثلاث روايات فى سبب نزول تلك الآية الكريمة، وأرجحها رواية الشيخيين، ولذا وجب الأخذ بها إلا أن نزول الآية فى قصة معينة لا يمنع شمول حكمها لكل ما يشبه هذه القصة أو الحادثة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - كما يرى جمهور العلماء -. فكل من حلف بالله كاذبا، واشترى بعهده - سبحانه - ثمنا قليلا حقت عليه العقوبة التى بينتها الآية الكريمة. ويدخل تحت هذه العقوبة دخولا أوليا أولئك اليهود الذين خانوا عهد الله بإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعرفون صدقه معرفة جليلة. والمراد بقوله { يَشْتَرُونَ } أى يستبدلون، وذلك لأن المشترى يأخذ شيئاً ويعطى شيئاً. فكل واحد من المعطى والمأخوذ ثمن للآخر. والمراد { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } كل ما يجب الوفاء به، فيدخل فيه ما أوجبه الله - تعالى - على عباده من فرائض وتكاليف، ومن إيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، كما يدخل فيه - أيضاً - ما أوجبه الله على أهل الكتاب من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذى يجدون نعته فى كتبهم، ويعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم.

السابقالتالي
2 3 4 5