قوله: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ }. قيل: الآية - وإن خرجت على عموم الخطاب - فالمراد منها الخصوص، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلى هذا يذهب أَكثر أَهل التفسير. وقيل: المراد منها - بعموم الخطاب - العموم؛ يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأَصحابه؛ وكأَنها خرجت على النهي عن طمع الإيمان منهم، كأَنه قال: لا تطمعوا في إيمانهم. كقوله:{ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [الزمر: 19]؛ أي: لا تُنقذ. وكقوله:{ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [الزخرف: 40]؛ أَي: لا تسمع الصم. وقوله: { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ... } الآية. لقائلٍ أن يقول: أَليس فيما كان فريقٌ منهم يسمعُون كلام الله ثم يحرفونه ما يجب أَن يدفع الطمع عن إيمان هؤلاء؟ فهو - والله أعلم - لوجهين: أَحدهما: أَنهم كانوا أصحاب تقليد؛ كقوله:{ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 22]. فأَخبر - عز وجل - أَن هؤلاء - وإن رأَوْا الآيات العجيبة - فإنهم لا يؤمنون أَبداً؛ لأَنهم أَصحاب تقليد، لا ينظرون إلى الحجج والآيات. والثاني: أَنهم - معَ كثرة ما عاينوا من الآيات، وشاهدوا من العجائب في عهد رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم - لم يطمع في إيمانهم، فيكف طمعتم أَنتم في إيمان هؤلاء، وهم أَتباعهم؟ والله الموفق. ولهذا وجهان آخران: أحدهما: كأَنه قال: لا تطمع في إيمانهم؛ لأَنهم - في علم الله على ما عليه من ذكر. والثاني: لأن أولئك كانوا خيراً من هؤلاءِ، وأَرغبَ في الحق منهم، ثم لم يؤمنوا مع سماع الحجج، وما يجب به الإيمان، فكيف تطمع في إيمان هؤلاء؟ وقوله: { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. أنه من عند الله، ويعلمون أَنه رسول الله، وأَنه حقّ. وقوله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا }. فقد ذكرنا فيما تقدم أَنها في المنافقين نزلت. وقوله: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ }. يحتمل وجهين: يحتمل: خلا بعض المنافقين إلى بعض، قالوا: أَتحدثونهم بكذا. ويحتمل: خلاء المنافقين إلى اليهود. وقوله: { قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ }. قيل: فتح الله؛ قصَّ الله. وقيل: فتح الله؛ بيَّن الله. وقيل: فتح الله؛ قضى الله. وقيل: منّ الله عليكم في التوراة. وكله يرجع إلى واحد. وقوله: { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ }. أي: باعترافكم عند هؤلاءِ. ويحتمل: على إضمار رسول الله صلى الله عليه وسلم كأَنه قال: ليحاجوكم بإقراركم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل: على معنى ليحاجوكم به عند ربكم أي في ربكم؛ إذ العرب تستعمل حروف الخفض بعضها في موضع بعض. ويحتمل: عند ربكم، أَي: يوم القيامة. ويكون ليحاجوكم بما عند الله؛ أَي: بالذي جاءكم من عند الله.