الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ }

وقوله تعالى: { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } إما صفة بعد صفة لكتاب مراداً به اللوح، فالمراد بالمطهرون الملائكة عليهم السلام أي المطهرون المنزهون عن كدر الطبيعة ودنس الحظوظ النفسية، وقيل: عن كدر الأجسام ودنس الهيولى والطهارة عليهما طهارة معنوية، ونفي مسه كناية عن لازمه وهو نفي الاطلاع عليه وعلى ما فيه، وإما صفة أخرى لقرآن. والمراد بالمطهرون المطهرون عن الحدث الأصغر والحدث الأكبر بحمل الطهارة على الشرعية، والمعنى لا ينبغي أن يمس القرآن إلا من هو على طهارة من الناس، فالنفي هنا نظير ما في قوله تعالى:ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } [النور: 3] وقوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه " الحديث وهو بمعنى النهي بل أبلغ من النهي الصريح، وهذا أحد أوجه ذكروها للعدول عن جعل ـ لا ـ ناهية، وثانيها: أن المتبادر كون الجملة صفة والأصل فيها أن تكون خبرية ولا داعي لاعتبار الإنشائية وارتكاب التأويل، وثالثها: أن المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس، ورابعها: أن عبد الله قرأ (ما يمسه) وهي تؤيد أن لا نافية، وكونُ المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام مروي من عدة طرق عن ابن عباس، وكذا أخرجه جماعة عن أنس وقتادة وابن جبير ومجاهد وأبـي العالية وغيرهم إلا أن في بعض الآثار عن بعض هؤلاء ما هو ظاهر في أن الضمير في { لاَّ يَمَسُّهُ } مع كون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام راجع إلى القرآن. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية: ذاك عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون من الملائكة فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس، والمنافق الرجس، وأخرجاهما وابن المنذر والبيهقي في «المعرفة» عن الحبر قال: في الآية الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة، ويشير إليه ما أخرج ابن المنذر عن النعيمي قال: قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } أنها بمنزلة الآية التي في عبسكَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ * فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11ـ16] وكون المراد بهم المطهرين من الأحداث مروي عن محمد الباقر - على آبائه وعليه السلام - وعطاء وطاوس وسالم. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبـي شيبة في «المصنف» وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع سلمان ـ يعني الفارسي ـ رضي الله تعالى عنه فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا فخرج إلينا فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن؟ فقال: سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } ، وقيل: الجملة صفة لقرآن، والمراد ـ بالمطهرون ـ المطهرون من الكفر، والمس مجاز عن الطلب كاللمس في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3