الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

قوله تعالى: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: «ما أَخْرجَكما من بُيوتِكمَا هَذِه الساعةَ»؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قُوما» فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مَرْحباً وأهْلاً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين فلان»؟ قالت: يستعذِب لنا من الماء إذ جاء الأنصاريّ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبيهِ، ثم قال: الحمد لله! ما أحدٌ اليومَ أكرم أضيافاً مني. قال: فانطلق، فجاءهم بِعِذْق فيه بُسْر وتمر ورُطَب، فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إياكَ والحَلُوبَ» فذبح لهم فأكَلُوا من الشَّاة ومن ذلك العِذق، وشرِبوا فلما أن شبِعوا وروُوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «والذي نفسي بيده لَتُسْأَلُنَّ عن نعيم هذا اليوم، يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» " خرجه الترمذيّ، وقالفيه: " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة: ظِلٌّ بارد، ورُطب طَيِّب، وماء بارد " وكنَّى الرجل الذي من الأنصار، فقال: أبو الهيثم بن التَّيهان. وذكر قصته. قلت: اسم هذا الرجل الأنصاريّ مالك بن التيهان، ويكنى أبا الهيثم. وفي هذه القصة يقول عبد الله بن رواحة، يمدح بها أبا الهيثم بن التَّيّهان:
فَلَمْ أرَ كالإسلامِ عِزاً لأِمّةٍ   ولا مِثلَ أضيافِ الإِراشيّ مَعْشَرَا
نبيّ وصِدِّيقٌ وفاروق أمّة   وخير بني حوّاء فرِّعا وعُنْصُرا
فوافَوْا لِميقاتٍ وقَدْرِ قَضيةٍ   وكان قضاء الله قَدْرا مُقَدَّرَا
إلى رجلٍ نَجْدٍ يُباري بِجودِهِ   شُموسَ الضُّحَى جودا ومجداً ومَفخرا
وفارِسِ خلقِ الله في كل غارةٍ   إذا لبِس القومُ الحديدَ المُسَمَّرَا
فَفَدَّى وحَيّا ثم أَدْنَى قِراهُمُ   فلَمْ يَقْرِهِمْ إلاَّ سَمِيناً مُتَمَّرَا
وقد ذكر أبو نَعيم الحافظ، " عن أبي عسِيب مولى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه، فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه، فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: «أطعمنا بُسْراً» فجاء بِعذْق، فوضعه فأكلوا، ثم دعا بماء فشرب، فقال: «لَتُسْأَلُنّ عن هذا يومَ القيامة» قال: وأخذ عمر العِذْق، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر نحو وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: «نعم إلا من ثلاث: كِسرة يسُدّ بها جَوْعَته، أو ثوب يستر به عَوْرته، أو جُحْرٍ يأوي فيه من الحرّ والقُرِّ» ".

السابقالتالي
2 3