الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

{ مّنَ ٱلأنبَاءِ } من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة، وما وصف من عذاب الكفار { مُزْدَجَرٌ } ازدجار أو موضع ازدجار. والمعنى هو في نفسه موضع الازدجار ومظنة له، كقوله تعالىلَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الأحزاب 21 أي هو أسوة. وقرىء «مزجر» بقلب تاء الإفتعال زايا وإدغام الزاي فيها { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } بدل من ما. أو على هو حكمة. وقرىء بالنصب حالاً من ما. فإن قلت إن كانت ما موصولة ساغ لك أن تنصب حكمة حالا، فكيف تعمل إن كانت ما موصولة ساغ لك أن تنصب كلمة حالاً،فكيف تعمل إن كانت موصوفة؟ وهو الظاهر. قلت تخصصها الصفة فيحسن نصب الحال عنها { فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ } نفي أو إنكار. وما منصوبة،أي فأي غناء تغني النذر { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم. نصب { يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِىَ } بيخرجون، أو بإضمار اذكر. وقرىء بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها، والداعي إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالىيَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ق 41 { إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ } منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وقرىء «نكر» بالتخفيف ونكر بمعنى أنكر { خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ } حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر، كماتقول يخشع أبصارهم. وقرى «خاشعة» على تخشع أبصارهم. وخشعاً، على يخشعن أبصارهم، وهي لغة من يقول أكلوني البراغيث، وهم طيء. ويجوز أن يكون في { خُشَّعاً } ضميرهم، وتقع { أَبْصَـٰرَهُمْ } بدلاً عنه. وقرىء «خشع أبصارهم»، على الابتداء والخبر، ومحل الجملة النصب على الحال. كقوله
وَجَدْتُهُ حاضِرَاهُ الْجُودُ وَالْكَرَمُ   
وخشوع الأبصار كناية عن الذلة والانخزال، لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرىء «يخرجون من الأجداث» من القبور { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } الجراد مثل في الكثرة والتموّج. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاؤا كالجراد، وكالدبا منتشر في كل مكان لكثرته { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } مسرعين مادّي أعناقهم إليه. وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. قال
تَعَبَّدَنِي نِمْرُ بْنُ سَعْدِ وَقَدْ أَرَى وَنِمْرُ بْنُ سَعْدٍ لِي مُطِيعٌ وَمُهْطِعُ