الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ }

قوله تعالى: { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا }: العامَّةُ على ضَمِّ حرفِ المضارعة من: أزاغ يُزيغ. و " قلوبَنا " مفعول به. وقرأ أبو بكر وابن فايد والجراح " لا تَزِغ قلوبُنا " بفتح التاء ورفع " قلوبنا " ، وقرأه بعضهم كذلك إلا أنه بالياء من تحت، وعلى القراءتين فالقلوب فاعلٌ بالفعل المنهيِّ عنه، والتذكير والتأنيث باعتبار تأنيثِ الجمعِ وتذكيرِه، والنهيُ في اللفظ للقلوب، وفي المعنى دعاءٌ لله تعالى، أي: لا تُزِغْ قلوبَنا فَتَزيغَ، فهو من باب " لا أُرَيَنَّك هَهنا " وقولِ النابغة:
1169ـ لا أَعْرِفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدامِعُها     .......................
قوله: { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } " بعد " منصوبٌ بـ " لا تُزِغْ " و " إذ " هنا خَرَجَتْ عن الظرفيةِ للإِضافةِ إليها، وقد تقدَّم أنَّ تصرُّفَها قليلَ، وإذا خرجت عن الظرفية فلا يتغَّيرُ حكمُها من لزومِ إضافتها إلى الجملة بعدها كما لم يتغير غيرُها من الظروف في هذا الحكمِ، ألا ترى إلى قوله:هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [المائدة: 119] ويَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } [الانفطار: 19] في قراءة من رفع " يوم " في الموضعين، وقول الآخر:
1170ـ.......................     .... على حينِ الكرامُ قليلُ
[وقوله]:
1171ـ على حينِ مَنْ تَلْبَثْ عليه ذَنُوبُه     .........................
[وقوله]:
1172ـ على حينِ عاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبا    ........................
[وقوله]:
1173ـ ألا ليت أيامَ الصفاءِ جديدُ     .......................
كيف خرجَتْ هذه الظروفُ من النَّصبِ إلى الرفعِ والجرِّ والنصبِ بـ " ليت " ومع ذلك هي مضافةٌ للجملِ التي بعدها.

قوله: { وَهَبْ } الهِبَةُ: العَطِيَّةُ، حُذِفَتْ فاؤها لِما تقدَّم في " عِدة " ونحوِها، كان حقُّ عينِ المضارع فيها كسرَ العين منه، إلا أنَّ ذلك مَنَعه كونُ العينِ حرفَ حلق، فالكسرةُ مقدرةٌ. فلذلك اعتُبِرت تلك الكسرةُ المقدرة، فحُذِفَت لها الواو، وهذا نحو: يَضَع ويَسَع لكونِ اللامِ حرفَ حلق. ويكون " هَبْ " فعلَ أمرِ بمعنى ظُنَّ، فيتعدَّى لمفعولين كقوله:
1174ـ......................     وإلاَّ فَهَبْنِي أمرَأً هالِكـــاً
وحينئذ لا تتصرَّفُ. ويقال أيضاً: " وَهَبَني اللهُ فداكَ " أي: جَعَلَني، ولا تتصرَّفُ أيضاً عن الماضي بهذا المعهنى.

قوله: { مِن لَدُنْكَ } متعلق بـ " هَبْ " ، ولَدُنْ: ظرف وهي لأولِ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرهما من الذوات نحو: مِنْ لَدُن زيد، فليست مرادفةً لـ " عند " بل قد تكون بمعناها، وبعضُهم يقيِّدها بظرف المكان، وتُضاف لصريح الزمان، قال:
1175ــ تَنْتَهِضُ الرِّعْدة في ظُهَيْري     من لَدُنِ الظُّهْرِ إلى العُصَيْرِ
ولا تُقْطَعُ عن الإِضافةَ بحالٍ، وأكثرُ ما تضافُ إلى المفرداتِ، وقد تُضَافُ إلى " أن " وصلتها لأنهما بتأويلِ مفردٍ قال:
1176ـ وُلِيْتَ فلم تَقْطَعْ لدُنْ أَنْ وَليْتَنَا     قرابةَ ذي قُرْبى ولا حَقَّ مُسْلِمِ
أي: لدنْ ولايتك إيانا، وقد تُضَاف إلى الجملةِ الاسمية كقوله:
1177ـ تَذَكَّرُ نُعْماه لَدُنْ أنتَ يافعٌ     إلى أنتَ ذو فَوْدَيْنِ أبيضَ كالنسرِ
وقد تُضاف للفعلية كقوله:

السابقالتالي
2