الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله: { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ }.

في هذه الفاء وجهان:

أحدهما: أنها داخلةٌ لما تضمنه الاسم من معنى الشرط، وحكم الموصوف بالموصول حكم الموصول في ذلك.

قال الزجاج: ولا يقال: إنَّ زيداً فمنطلق، وهاهنا قال: " فإنَّهُ مُلاقِيكُمْ " لما في معنى " الذي " من الشرط والجزاء، أي: فررتم منه فإنه ملاقيكم، وتكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه.

الثاني: أنها مزيدة محضة لا للتضمين المذكور.

وأفسد هؤلاء القول الأول بوجهين:

أحدهما: أن ذلك إنما يجوز إذا كان المبتدأ أو اسم إن موصولاً، واسم " إن " هنا ليس بموصول، بل موصوفاً بالموصول.

والثاني: أن الفرار من الموت لا ينجي منه فلم يشبه الشرط يعني أنه متحقق فلم يشبه الشرط الذي هو من شأنه الاحتمال.

وأجيب عن الأول: بأن الموصوف مع صفته كالشيء الواحد؛ ولأن " الذي " لا يكون إلا صفة، فإذا لم يذكر الموصوف دخلت الفاء، والموصوف مراد، فكذلك إذا صرح بها.

وعن الثاني: بأن خلقاً كثيراً يظنون أن الفرار من أسباب الموت ينجيهم إلى وقت آخر.

وجوز مكي: أن يكون الخبر قوله: { ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } وتكون الفاء جواب الجملة قال: كما تقول: " زيد منطلق فقم إليه ".

وفيه نظر؛ لأنها لا ترتب بين قوله: { إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } وبين قوله { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } فليس نظيراً لما مثله.

قال القرطبي: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله: { ٱلَّذِي تَفِرُّونَ } ثم يبدأ بقوله { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ }.

وقرأ زيد بن علي: " إنَّهُ " بغير فاء.

وفيها أوجه:

أحدها: أنه مستأنف، وحينئذ يكون الخبر نفس الموصول، كأنه قيل: فإن الموت هو الشيء الذي تفرّون منه. قاله الزمخشري.

الثاني: أن الخبر الجملة من قوله: { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } وحينئذ يكون الموصول نعتاً للموت.

الثالث: أن يكون " إنه " تأكيد، لأن الموت لما طال الكلام أكد الحرف تأكيد لفظياً، وقد عرف أنه لا يؤكد كذلك إلا بإعادة ما دخل عليه أو بإعادة ضميره، فأكد بإعادة ضمير ما دخلت عليه " إن ".

وحينئذ يكون الموصول نعتاً للموت، و " ملاقيكم " خبره، كأنه قيل: إن الموت إنه ملاقيكم.

وقرأ ابن مسعود: " ملاقيكم " من غير " فإنه ".

فإن قيل: الموت ملاقيهم على كل حال فروا أو لم يفروا، فما معنى الشرط والجزاء؟.

فالجواب: أنَّ هذا على جهة الرَّد عليهم إذ ظنوا أن الفرار ينجيهم، { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وهذا وعيد بليغ وتهديد شديد.