قوله تعالى: { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ } قال الكلبي: أتيناها. وقال غيره: اللَّمْسُ: المَسُّ، فاستعير للطلب؛ لأن الماسّ طالب متعرف. والمعنى: طلبنا بلوغ السماء، واستماع كلام أهلها. { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } الحرس: اسم مفرد في معنى الحُرَّاس، [كالخدم] في معنى الخُدّام، والحَرَس: الملائكة الذين يحرسون السماء من استراق السمع، { وَشُهُباً } جمع شِهاب، وهو النجم المضيء. وقد ذكرناه في قوله:{ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10]. والرَّصَدُ: مثل الحرس، اسم مفرد في معنى الجمع، على معنى: ذوي شهاب راصدين بالرجم، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب. ويجوز أن يكون صفة للشهاب، بمعنى: الراصد. قوله تعالى: { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ } يعني: أشرّ أريد بهم بحراسة السماء بالشهب، أي: عذاب وبلاء، { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } خيراً ورحمة. قال مقاتل: هذا قول مؤمني الجن، قالوا: لا ندري أَشَرٌّ أُرِيد بمن في الأرض، بإرسال محمد إليهم فيكذبونه فيهلكون، أم أراد بهم ربهم رشداً، وهو أن يؤمنوا به فيهتدوا. ثم أخبروا عن حال أنفسهم فقالوا: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ } أي: الأبرار المتقون، { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: قوم دون الصالحين. وقولهم: { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } بيان للقسمة المذكورة، أي: كنا ذوي مذاهب مختلفة. قال الحسن: الجن أمثالكم، منهم قَدَرية ومرْجئة ورافضة وشيعة. وقال مجاهد: يعنون: مسلمين وكافرين. والطَّرائق: جمع طريقة، والقِدَد: جمع قِدَّة، وهي القطعة، وأنشد ابن عباس رضي الله عنهما: