الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ }

{ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } المحكمات التي لا تتبدل مما كانت فى الازل وهى آيات لا بد للمؤمنين من استعمال اوامرها لانها فى اصلاح الخلق وتثبيت ايمانهم بمنزلة الدواء للمرضى قال ابو عثمان هى فاتحة الكتاب التى لا تجزئ الصلاة الا بها وقال محمد بن الفضل هي سورة الاخلاص لانه ليس فيها إلا التوحيد فقط { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } اى مدار اوامر الكتاب وموئل اصول المعاملات ومنبت اشجار الايمان فى قلوب اهل المداناة بنعت المزيد من شبح لارواح فى اقتباس المخاطبات { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } هى اوصاف التباس الصفات وظهور الذات فى مرآة الشواهد والآيات { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ } اهل التقليد يخوضون في المتشابهات طلباً للتوحيد وهم بمعزل عن شهوده لانهم اصحاب الوهم وصاحب الوهم لا يعرف حقيقة الاشياء المحدثة فكيف يعرف وجود الحق برسم الوهم واذا كان يطلب علوم المتشابهة لم يبلغ حقيقتها ويقع فى الفتنة ولهذا قال عليه السلام: " تفكروا فى آلاء الله ولا تتفكروا فى ذات الله " ومن لا يعبر بحار حقائق اليقين ولم ينظر فى مرآة التحقيق ورسم فى المتشابهات يسقط عن مرسوم ايمانه ولا يبلغ معانى متشابهات لانه مقام اهل العشق الذين يرون الحق فى كل شئ كما قال بعض اهل المعانى ما نظرت الى شئ الا ورايت الله فيه هذا وصف ظهور التجلى فى مرآة الكون كان الحق تعالى حل فى الاشياء لانه منزه عن اشكال الحلول { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } خص نفسه جل جلاله بحقيقة علم تشابه اسرار الالتباس هيأة الجبروت فى الملكوت بنعت ظهور تجليه لأهل حقيقة التوحيد والتفريد واضاف الى اوليائه من اهل العشق خاصة طرفاً من علم المشاهدة بنعت الالتباس فى حقيقة المكاشفة { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } ايمان مشاهدة وحقيقة علم وعرفان مكاشفة والراسخون هم الذين كشف لهم اسرار العلوم اللدنية وعجائب معلومات الآخرة الخارجة من انصار الطاهرة وايضاً الراسخ الربانى الذى تخلق بخلق الحق جلت عظمته ان يكون له كفواً وقال الواسطى هم الذين رسخوا بارواحهم فى غيب الغيب فى سر السر فعرفهم ما عرفهم وخاضوا فى ابحر العلم بالفهم لطلب الزيادات ما كشف لهم من مذخور الخزائن تحت كل حرف منه من الفهم وعجائب الخطاب فنطقوا بالحكم وقال سهل الرسوخ في العلم زيادة بيان ونور من الله كما قال رب زدنى علماً وقال الراسخ في العلم من علوم المكاشفة رباني نور اني وذاتى واحكام العلوم اربعة الوحى والتجلى والعندى واللدنى وقال بعضهم الراسخ فى العلم من طولع على محل المراد من الخطاب وصف اللاستاذ رحمه الله أهل اليقين واهل الزيغ قال اما الذين ايدوا بانوار البصائر فمستضيئون بشعاع شموس الفهم واما الذين أسبلوا غطاء الريب وحرموا لطائف التحقيق فينقسم بهم الاحوال وترتجم لهم الظنون ويطيحون في دينه التلبيس فلا يزدادون الا جحداً على جحد ونفورا على شك قال ومن وجد علم التاويل من الله عز وجل فيكون ايمانهم بلا احتمال لحولان خواطر التجريد بل عن صريحات الظهور وصافيات اليقين قال واصحاب العقول الصاحبة هم فى صحة التذكير لوجود البراهين وستر احكام التحصيل وايضاً الراسخون فى العلم هم الشاهدون بنعت الارواح قبل الاشباح فى ديوان الازل قد عاينوا مكنونات اسرار خصائص العلوم القدمية وفهموا منها عواقب شانهم فى مدارج البقاء فرسخوا فى بحر عين اليقين ولم يتزلزلوا فى ظهور الحكومات بنعت التصاريف والتحويل والمكر والخديعة فلم ينهزموا عن صولات القهر وتخويفه وثبتوا صدمات الله وفى الله فيما ظهر من الله من رسم المحو والطمس وعلموا ان جميعها ابتلاء وامتحان فسكنوا فى العبودية رسماً ورسخوا فى مشاهدة الربوبية حقيقة وصرفا قوله تعالى { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } اى لا تزغ قلوبنا بفقدان الطمأنينة بذكرك وايضاً لا تزغ قلوبنا عن قربك ومحتبك بعد اذ هديتنا الى معرفتك ومحبتك { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } علماً خاصاً ومعرفة تامة { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } وهب ما لا يحصى شكره وقال سهل رجع قوم للتضرع اليه والمسكنة بين يديه بعد اذ هديتنا اى لا تمل بقلوبنا واسرارنا عن الايمان بك اذ منيت علينا به وقال جعفر لا تزع قلوبنا عنك بعد اذ هديتنا اليك من لدنك رحمة لزوماً لخدمتك على شرط السنة انك انت الوهاب المعطى بفضله عباده ما لا يستحقونه من نعمة وقال الاستاذ ما ازدادوا قرباً الا ازدادوا ادباً واللياذ الى التباعد اقوى اسباب رعاية الادب وقيل حين صدقوا فى حسن الاستعانة ايدوا بانوار الكفاية.