الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عند نزول الآية الأولى في المنافقين، قالوا: يا رسول الله استغفر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سأستغفر لكم، وأشتغل بالاستغفار لهم، فنزلت هذه الآية، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار. وقال الحسن: كانوا يأتون رسول الله، فيعتذرون إليه ويقولون إن أردنا إلا الحسنى وما أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً، فنزلت هذه الآية. وروى الأصم: أنه كان عبد الله بن أبي بن سلول إذا خطب الرسول. قام وقال هذا رسول الله أكرمه الله وأعزه ونصره، فلما قام ذلك المقام بعد أحد قال له عمر: اجلس يا عدو الله، فقد ظهر كفرك وجبهه الناس من كل جهة، فخرج من المسجد، ولم يصل فلقيه رجل من قومه. فقال له: ما صرفك؟ فحكى القصة. فقال: ارجع إلى رسول الله يستغفر لك. فقال: ما أبالي أستغفر لي أو لم يستغفر لي فنزلوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ } [المنافقون: 5] وجاء المنافقون بعد أحد يعتذرون ويتعللون بالباطل أن يستغفر لهم. المسألة الثانية: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } وروى الشعبي قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه فقال له عليه السلام: «من أنت؟» فقال: أنا الحباب بن عبد الله قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله، إن الحباب هو الشيطان، ثم قرأ هذه الآية. قال القاضي: ظاهر قوله: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } كالدلالة على طلب القوم منه الاستغفار، وقد حكيت ما روي فيه من الأخبار، والأقرب في تعلق هذه الآية بما قبلها ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما أن الذين كانوا يلمزون هم الذين طلبوا الاستغفار، فنزلت هذه الآية. المسألة الثالثة: من الناس من قال إن التخصيص بالعدد المعين، يدل على أن الحال فيما وراء ذلك العدد بخلافه، وهو مذهب القائلين بدليل الخطاب. قالوا: والدليل عليه أنه لما نزل قوله تعالى: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قال عليه السلام: " والله لأزيدن على السبعين " ولم ينصرف عنه حتى نزل قوله تعالى:سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [المنافقون: 6] الآية فكف عنهم. ولقائل أن يقول: هذا الاستدلال بالعكس أولى، لأنه تعالى لما بين للرسول عليه السلام أنه لا يغفر لهم ألبتة. ثبت أن الحال فيما وراء العدد المذكور مساو للحال في العدد المذكور، وذلك يدل على أن التقييد بالعدد لا يوجب أن يكون الحكم فيما وراءه بخلافه.

السابقالتالي
2