الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

وقوله: { بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } تكذيب من الله القائلـين من الـيهود:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80] وإخبـار منه لهم أنه يعذّب من أشرك وكفر به وبرسله وأحاطت به ذنوبه فمخـلِّدُه فـي النار فإن الـجنة لا يسكنها إلا أهل الإيـمان به وبرسوله، وأهل الطاعة له، والقائمون بحدوده. كما: حدثنا مـحمد بن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس: { بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بـمثل ما كفرتـم به حتـى يحيط كفره بـما له من حسنة، { فـاولَئِك أصْحَابُ النّارِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ }. قال: وأما { بَلـى } فإنها إقرار فـي كل كلام فـي أوله جحد، كما «نعم» إقرار فـي الاستفهام الذي لا جحد فـيه، وأصلها «بل» التـي هي رجوع عن الـجحد الـمـحض فـي قولك: ما قام عمرو بل زيد فزيد فـيها الـياء لـيصلـح علـيها الوقوف، إذ كانت «بل» لا يصلـح علـيها الوقوف، إذْ كانت عطفـا ورجوعا عن الـجحد، ولتكون أعنـي بلـى رجوعاً عن الـجحد فقط، وإقراراً بـالفعل الذي بعد الـجحد فدلت الـياء منها علـى معنى الإقرار والإنعام، ودلّ لفظ «بل» بل الرجوع عن الـجحد. قال: وأما السيئة التـي ذكر الله فـي هذا الـمكان فإنها الشرك بـالله. كما: حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفـيان، قال: حدثنـي عاصم، عن أبـي وائل { بَلْـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } قال: الشرك بـالله. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { بَلَـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } شركاً. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { بَلَـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } قال: أما السيئة فـالشرك. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } أما السيئة فهي الذنوب التـي وعد علـيها النار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: { بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } قال: الشرك. قال ابن جريج، قال: قال مـجاهد: { سَيِّئَةً } شركا. حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } يعنـي الشرك. وإنـما قلنا: إن السيئة التـي ذكر الله جل ثناؤه أن من كسبها وأحاطت به خطيئته فهو من أهل النار الـمخـلدين فـيها فـي هذا الـموضع، إنـما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض، وإن كان ظاهرها فـي التلاوة عاما، لأن الله قضى علـى أهلها بـالـخـلود فـي النار، والـخـلود فـي النار لأهل الكفر بـالله دون أهل الإيـمان به لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل الإيـمان لا يخـلدون فـيها، وأن الـخـلود فـي النار لأهل الكفر بـالله دون أهل الإيـمان به فإن الله جل ثناؤه قد قرن بقوله: { بَلـى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فـاولئِكَ أصحَابُ النارِ هُم فِـيها خالِدُونَ } قولَهُ: { والّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ أُولَئِكَ أصحَابُ الـجَنّةِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ } فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الـخـلود فـي النار من أهل السيئات، غير الذين لهم الـخـلود فـي الـجنة من أهل الإيـمان.

السابقالتالي
2 3 4