فلم يقُل؟ هنا: يميتني أو هو يُحييني لأن الحياة والموت بيده تعالى لا يدَّعيها أحد، فإنْ قُلْتَ: وماذا عن قتْل الإنسان لغيره أَلاَ يُعَدُّ موتاً؟ وقد سبق أنْ أوضحنا الفرق بين الموت والقتل، بدليل قوله تعالى:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ.. } [آل عمران: 144]. فالموت أن تخرج الروح، والجسم سليم الأجزاء كامل الأعضاء، وبعد خروج الروح تُنقض البنية، أما القتل فيكون بنقْض البنية نَقْضاً يترتب عليه خروج الروح. إذن: الموت لم يدَّعه أحدٌ لنفسه، ولما ادعاه النمرود جادله إبراهيم - عليه السلام - في ذلك، وكشف زيف هذا الادعاء، كما قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ.. } [البقرة: 258]. ولم يفعل إلا أنْ جاء برجل فأمر بقتله، ثم عفا عنه لذلك رأى إبراهيم عليه السلام أنْ يقطع عليه هذا الطريق، فقال:{ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ.. } [البقرة: 258]. وهكذا أنهى هذه السفسطة، وكشف حقيقة هذا المكابر المعاند. وتأمل حرف العطف { يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } [الشعراء: 81] وثم تفيد العطف مع التراخي، ولم يقل: ويحيين لأن الواو تفيد مُطلَق العطف، وبين الموت والإحياء الآخر مسافة طويلة، ألا ترى قوله تعالى:{ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [عبس: 21-22].