وروى ابن عطية والدانيُّ وغيرُه عن أبي نهيك أنه قرأ " كُلاَّ " بضم الكافِ والتنوين. وفيها تأويلان، أحدهما: أن ينتصِبَ على الحالِ، أي: سيكفرون جميعاً. كذا قَدَّره أبو البقاء واستبعدَه. والثاني: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ، أي: يَرْفُضون أو يَجْحَدون أو يُتْرَكُون كُلاًّ، قاله ابن عطية. وحكى ابن جرير أنَّ أبا نهيك قرأ " كُلٌّ " بضم الكاف ورفع اللام منونةً على أنَّه مبتدأ، والجملةُ الفعليةُ بعد خبرُه. وظاهرُ عبارةِ هؤلاء أنه لم يُقرأ بذلك إلا في " كُلاَّ " الثانية. وقرأ عليٌّ بن أبي طالب " ونُمِدُّ " مِنْ أمَدَّ. وقد تقدَّم القولُ في مَدَّه وأمدَّه: قوله:{ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } [مريم: 80] يجوز في " ما " وجهان؛ أحدهما: أَنْ تكونَ مفعولاً بها. والضميرُ في " نَرِثُه " منصوبٌ على إسقاط الخافضِ تقديرُه: ونَرِثُ منه ما يقولُه. الثاني: أن تكونَ بدلاً من الضمير في " نَرِثُه " بدلَ الاشتمال. وقدَّر بعضُهم مضافاً قبل الموصولِ، أي: نَرِثُه معنى ما يقول، أو مُسَمَّى ما يقول، وهو المال والولد؛ لأنَّ نفس القول لا يُورَّث. و " فَرْداً: حال: إمَّا مقدَّرةٌ نحو:{ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73] أو مقارنةِ، وذلك مبنيٌّ على اختلافٍ في معنى الآية مذكور في الكشاف. والضمير في { سَيَكْفُرُونَ } يجوز أن يعودَ على الآلهةِ لأنه أقربُ مذكورٍ، ولأنَّ الضميرَ في " يكونون " أيضاً عائدٌ عليهم فقط. ومثلُه:{ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } [النحل: 86] ثم قال: { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ }. وقيل: يعود على المشركين ". ومثلُه قولُه:{ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]. إلا أنَّ فيه عَدَمَ توافقِ الضمائرِ إذ الضميرُ في " يكونون " عائدٌ على الآلهة، و " بعبادتهم " مصدرٌ مضافٌ إلى فاعِلِه إنْ عاد الضميرُ في " عبادتهم " على المشركين العابدين، وإلى المفعولِ إنْ عاد إلى الآلهة. وقوله: " ضِدَّاً " إنما وَحَّده، وإن كان خبراً عن جَمْع، لأحدِ وجهين: إمَّا لأنَّه مصدرٌ في الأصلِ، والمصادرُ مُوَحَّدةٌ مُذَكَّرَةٌ، وإمَّا لأنه مفردٌ في معنى الجمع. قال الزمخشري: " والضِّدُّ: العَوْنُ، وُحِّدَ توحيدَ " وهم يَدٌ على مَنْ سواهم " لاتفاق كلمتِهم، وأنَّهم كشيءٍ واحدٍ لفَرْطِ تَضَامَّهم وتوافُقِهم والضِّدُّ: العَوْن والمُعاوَنَة. ويقال: مِنْ أضدادكم، أي: أَعْوانكم ". قيل: وسُمِّي العَوْنُ ضِدَّاً لأنه يُضادُّ مَنْ يُعاديك ويُنافيه بإعانتِك له عليه. وفي التفسير: أنَّ الضدَّ هنا الأعداءُ. وقيل: القِرْن. وقيل: البلاءُ وهذه تناسِبُ معنى الآية.