الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

قد تقدَّم الكلامُ على " كيف " في أوَّل البقرة [آية 28]، و " ما " يجوز فيها ثلاثة أوجهٍ، أعني كونها مَوْصُولةً اسميةً, أو نكرة موصوفة, أو مصدريَّة, والعائد على الأوَّلَيْنِ محذوف, أي: ما أشركتموه باللَّهِ, أو إشراككم باللَّهِ غيره.

وقوله: " وَلاَ تَخَافُون " يجوز في هذه الجملة أن تكون نَسَقاً على " أخَاف " فتكون داخِلَةً في حيِّز التَّعْجُّبِ والإنكار، وأن تكون حاليةً، أي: وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم، ولا بُدَّ من إضْمَارِ مبتدأ قبل المضارع المنفي بـ " لا " لما تقدَّم غير مرَّةٍ، أيك كيف أخاف الذي تشركون، أو عاقبة إشراككم حال كونكم آمنين من مَكْرِ اللَّهِ الذي أشركتم به غيره، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رَابِطٌ يعود على ذِي الحالِ لا يَضُرُّ ذلك، لأن الواو بنفسها رابطة.

وانظر إلى حُسْنِ هذا النَّظْمِ السَّوِيِّ, حيث جعل متعلّق الخَوْفِ الواقع منه الأصنام، ومتعلق الخوف الواقع منهم إشراكهم باللَّهِ غيره تَرْكاً لأن يعادل الباري - تعالى - لأصنامهم لو أبْرَزَ التركيب على هذا، فقال: " ولا تخافون اللَّه " مُقَابَلَةً لقوله: " وكيف أخافُ معبوداتكم ". وأتى بـ " ما " في قوله: " ما أشركتم " وفي قوله: { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً } إلاَّ أنهم غير عقلاء؛ إذ هي جماد وأحْجَارٌ وخشبٌ كانوا يَنْحِتُونَهَا ويعبدونها.

وقوله: " مَا لَمْ يُنَزِّلْ " مفعول لـ " أشركتم " ، وهي موصولة اسميَّة أو نكرة، ولا تكون مَصْدريَّةً لفساد المعنى، و " به " و " عليكم " ، متعلقان بـ " يُنَزِّلْ " ويجوز في " عَلَيْكُمْ " وجه آخر، وهو أن يكون حالاً، من " سُلْطَاناً "؛ لأنَّهُ لو تَأخَّر عنه لجاز أن يكون صِفَةً.

وقرا الجمهور: " سُلْطَاناً " ساكن اللام حيث وقع، وقُرِئَ بِضَمِّهَا، وهل هي لغة مُسْتَقِلَّةٌ، فيثبت فيها بناء فعل بضم الفاء والعين، أو هي إتباع حركةٍ لأخرى.

ومعنى الآية: وكيف أخَافُ الأصنام التي لا قُدْرَةَ لها على النَّفْعِ والضُّرِّ ولا تُبْصرُ ولا تَسْمَعُ, وأنتم لا تخافون من الشِّرْكِ الذي هو أعظم الذنوب، وليس لكم حُجَّةٌ على ذلك.

وقوله: { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ }

أي: ما لكم تنكرون عَلَيَّ الأمْنَ في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمْنَ في موضع الخوفِ فقال: { فَأيُّ الفريقَيْنِ أحَقُّ } ولم يَقُل: " فايُّنَا أحَقُّ نَحْنُ أم أنتم " إلزاماً لِخَصْمِهِ بما يدَّعيهِ عليه, واحترازاً من تَزْكِيَة نفسه، فعدل عنه إلى قوله: { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } ، يعني: فريق المشركين أم الموحدين؟ وهذا بخلاف قول الآخر: [الكامل]

السابقالتالي
2