الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ } وهما تأويلاً قوّتا القلب العلاّمة والعمّالة فانّ القلب بعد تولّده يحصل له قوّتان باحديهما يتصرّف فى كثرات عالمه الصّغير على وفق حكم العقل، وبالاخرى يتوجّه الى العقل ويأخذ ما هو صلاحه من العلوم والمكاشفات بحسب نفسه او بحسب عالمه، وبعبارهٍ اخرى يصير ذا جهتين؛ جهة الوحدة وجهة الكثرة ويتمهما عبارة عن عدم اتّصالهما بابيهما العقل، او عدم اتّصالهما الى ابيهما المرشد المعلّم، وببقاء جدار البدن يستخرجان ما هو المكمون تحته من كنز الجامعيّة بين التّنزيه والتّشبيه والتّسبيح والتّحميد وهو مقام الجمع الّذى هو قرّة عيون السّلاّك وللاشارة الى جهة التّأويل ورد اخبار مختلفة كثيرة فى تفسير الكنز بأنّه لم يكن من ذهبٍ ولا فضّةٍ، وفى بعضها كان: لا آله الاّ الله، محمّد (ص) رسول الله؛ وبعده بعض كلمات النّصح والوعظ، وفى بعضها بسم الله الرّحمن الرّحيم وبعده بعض الكلمات النّاصحة، وفى بعضها الجمع بين التّسمية والتّهليل ورسالة محمّد (ص) وبعده كلمات النّصح، وفى بعضها الاقتصار على التّهليل فقط وبعده الكلمات النّاصحة، وبعد اعتبار جهة التّأويل يرتفع الاختلاف عن الكلّ ويتّحد المقصود من مختلفها { فِي ٱلْمَدِينَةِ } اى النّاصرة { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } وصلاح ابيهما صار سبباً لمراعاتهما واقامة جدارهما وحفظ كنزهما، فانّ الله ليحفظ ولد المؤمن الف سنةٍ كما فى الخبر وانّ الغلامين كان بينهما وبين ابويهما سبعمائة سنةٍ، وفى الخبر انّ الله ليصلح بصلاح الرّجل المؤمن من ولده وولد ولده ويحفظه فى دُويرته ودويرات حوله فلا يزالون فى حفظ الله لكرامته على الله { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } قوّتهما قيل: هو ما بين ثمانى عشرة سنةً الى ثلاثين وهو مفرد على بناء الجمع نادر النّظير، او جمعٌ لا واحد له من لفظه، او واحده شدّ بالكسر او شَدّ بالفتح لكنّهما غير مسموعين بهذا المعنى، ومعنى الجمع اوفق بالمقصود لانّه اريد به قوّة جميع القوى البدنيّة والنّفسانيّة { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ } اى ما رأيت من العجائب او ما رأيت من اقامة الجدار { عَنْ أَمْرِي } ورأيى.

مراتب السّلوك

اعلم، انّ مقصود الخضر (ع) كان من اظهار تلك الغرائب ظاهراً واجرائها باطناً تعليم موسى (ع) طريق التّكميل، وتكميله من جهة حاجته الى التّعليم وان كان موسى (ع) من جهة الرّسالة ومراقبة احكام الكثرة وحفظ مراتبها افضل واكمل من الخضر (ع) كما مرّ لكنّه كان محتاجاً الى تعليم الخضر (ع) طريق التّكميل فى جهة الوحدة والسّلوك الى الله، ولمّا كان السّالك فى اوّل مراتب سلوكه وهو السّير من الخلق الى الحقّ محتاجاً الى خراب البدن واضمحلال القوى النّفسانية حتّى يتخلّص من سلطان الشّيطان وغصبه ويسلّم للقوى العقليّة الّتى هى فى اوّل الامر مساكين عاجزون عن اكتساب ما يحتاجون اليه اظهر عليه السّلام تخريب السّفينة تنبيهاً وتعليماً وتكميلاً، واسباب تخريب البدن وكسر قوى النّفس غير محصور ولا ضبط لها ولا ميزان بل تكون اختياريّةً كانواع الرّياضات والسّياحات والعبادات، وتكون اضطراريّة كانواع البلايا والامتحانات الّتى يوردها الله على السّالك بحسب ما يقتضيه حكمته بل نقول: دخول السّالك فى السّلوك وقبول الشّيخ ايّاه والتّوبة على يده وتلقينه الّذكر بشورطه اوّل كسر قوى النّفس واوّل مراتب جهاده ومقاتلته مع قوى النّفس واوّل قدرة الانسان على الجهاد والغلبة ويحصل له بامداد الشّيخ الغلبة مرّةً بعد اخرى حتّى يحصل له السّلطنة والحكم، والسّالك فى تلك المرتبة من السّلوك كافر محض بالكفر الشّهودىّ حيث لا يرى الله مجرّداً ولا فى مظاهره حالاً او متّحداً معها؛ والشّيخ ينبغى ان يتنزّل عن مقامه العالى الى هذا المقام ويخاطب السّالك مطابقاً لحاله مشعراً بكفره واستتار الحقّ عنه ولذلك قال الخضر (ع) فى اوّل الامر امّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت ان اعيبها، بنسبة الفعل اى نفسه استقلالاً واظهاراً لانانيّته من غير اشارة الى شراكةٍ او تسبيب من الله، ولمّا كان كلّ ما ينسبه السّالك الى نفسه وكلّ ما يراه من انانيّته نقصاً وشرّاً وعيباً ابرز الفعل المنسوب الى انانيّته بلفظ العيب تنبيهاً على انّ السّالك ينبغى ان لا يرى الاّ عيب فعله فى ذلك المقام وان كان خيراً فقال ان اعيبها ولم يقل ان استخلصها من الغصب او اسلّمها لاربابها، ولا يرى السّالك حينئذٍ الاّ طريق الاعتزال ويرى نفسه مختارة والحقّ معزولاً.

السابقالتالي
2 3 4