الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ } المعهود { فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ } قيل: إنهما أصرم وصريم { يَتِيمَيْنِ } صغيرين مات أبوهما وهذا هو الظاهر لأن يتم بني آدم بموت الأب، وفي الحديث " لا يتم بعد بلوغ " ، وقال ابن عطية: يحتمل أنهما كانا بالغين والتعبير عنهما بما ذكر باعتبار ما كان على معنى الشفقة عليهما ولا يخفى أنه بعيد جداً { فِى ٱلْمَدِينَةِ } هي القرية المذكورة فيما سبق، ولعل التعبير عنها بالمدينة هنا لإظهار نوع اعتداد بها باعتداد ما فيها من اليتيمين وما هو من أهلها وهو أبوهما الصالح. ولما كان سوق الكلام السابق على غير هذا المساق عبر بالقرية فيه.

{ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } مال مدفون من ذهب وفضة كما أخرجه البخاري في «تاريخه» والترمذي والحاكم وصححه من حديث أبـي الدرداء وبذلك قال عكرمة وقتادة وهو في الأصل مصدر ثم اريد به اسم المفعول. / قال الراغب: ((الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه وأصله من كنزت التمر في الوعاء))، واستشكل تفسير الكنز بما ذكر بأن الظاهر أن الكانز له أبوهما لاقتضاء { لَّهُمَا } له إذا لا يكون لهما إلا إذا كان إرثاً أو كانا قد استخرجاه والثاني منتف فتعين الأول وقد وصف بالصلاح، ويعارض ذلك ما جاء في ذم الكانز. وأجيب بأن المذموم ما لم تؤد منه الحقوق بل لا يقال لما أديت منه كنز شرعاً كما يدل عليه عند القائلين بالمفهوم حديث «كل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز» فإن النبـي صلى الله عليه وسلم بصدد بيان الأحكام الشرعية لا المفاهيم اللغوية لأنها معلومة للمخاطبين ولا يعتبر في مفهومه اللغوي المراد هنا شيء من الإخراج وعدمه، والوصف بالصلاح قرينة على أنه لم يكن من الكنز المذموم، ومن قال: إن الكنز حرام مطلقاً ادعى أنه لم يكن كذلك في شرع من قبلنا، واحتج عليه بما أخرجه الطبراني عن أبـي الدرداء في هذه الآية قال: أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن قتادة نحو ذلك وفيه فلا يعجبن الرجل فيقول ما شأن الكنز حل لمن قبلنا وحرم علينا فإن الله تعالى يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء وهي السنن والفرائض تحل لأمة وتحرم على أخرى، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال: ما كان ذهباً ولا فضة ولكن كان صحف علم وروي ذلك أيضاً عن ابن جبير، وأخرج ابن مردويه من حديث علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعاً والبزار عن أبـي ذر كذلك، والخرائطي عن ابن عباس موقوفاً أنه كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد