الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

قوله تعالى: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } أي: ردك إلى المدينة { إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } أي: من المخلَّفين، والمراد بالطائفة المنافقون، فإن المخلَّفين لم يكونوا كلهم منافقين.

ويجوز أن يكون المعنى: فإن رجعك الله إلى طائفة من المنافقين، وهم الذين أصروا على النفاق ولم يتوبوا، { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } في غزاة، فقل معاقباً لهم بتخلفهم ونفاقهم، ومُسْقِطاً لهم من ديوان الغُزاة، ومُلْحِقاً بهم عاراً وشَنَاراً لا يفارقهم: { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.

قال عامة المفسرين: هي غزاة تبوك.

فإن قيل: تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف قال: " أول مرة "؟

قلت: قد أجاب عنه الماوردي فقال: أول مرة دعيتم أو رضيتم به أول مرة قبل استئذانكم.

ويجوز عندي أن يقال: المراد بالأولية هاهنا: مبادئ الغزوات، وتبوك وإن تأخرت يصدق عليها كونها أولاً، كما يقال: كان هذا في أول الإسلام.

فإن قيل: قد علم الله تعالى أنها آخر غزوات رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف أمره أن يقول لهم: { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ }؟

قلت: المراد بها: إسقاطهم من ديوان الغُزاة -كما أشرت إليه قبل-، وقطع الموالاة والنصرة بينهم وبين المسلمين، وأنهم لا يخرجون مع أهل دينه ولا يقاتلون معهم عدواً.

قوله تعالى: { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } قال ابن عباس: هم ذووا الأعذار من الرجال.

وقال الحسن وقتادة: النساء والصبيان.

وقيل: المعنى: فاقعدوا مع أهل الفساد، ومنه: نَبِيذٌ خَالِف، أي: فاسد، وخَلَفَ اللَّبن؛ إذا حَمُضَ من طول لبثه في السقاء، وخَلَفَ فَمُ الصَّائم؛ إذا تغيَّرت ريحه.

ويجوز أن يكون المعنى: فاقعدوا مع الخالفين.

قال الفراء: يقال: عبد خَالِف، وصاحب خَالِف؛ إذا كان مخالفاً.

وقيل: المعنى: فاقعدوا مع الخساس من الناس. يقال: فلان خالفه أهله؛ إذا كان دونهم.

فإن قيل: كيف أمرهم بما لا يجوز فعله، وهو القعود والتخلف عن نصر الرسول والإسلام؟

قلت: هذا خارج مخرج التهديد؛ كقوله:ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40].