الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله تعالى { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } الآية. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يعرفون نعمة الله. لأنهم يعلمون أنه هو الذي يرزقهم ويعافيهم، ويدبر شؤونهم، ثم ينكرون هذه النعمة. فيعبدون معه غيره، ويسوونه بما لا ينفع ولا يضر، ولا يغني شيئاً. وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة. كقولهقُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } يونس 31. فقوله { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } دليل على معرفتهم نعمته. وقوله { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } دليل على إنكارهم لها. والآيات بمثل هذا كثيرة جداً. وروي عن مجاهد أن سبب نزول هذه الآية الكريمة أن أعرابياً أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسأله. فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلموَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } النحل 80 فقال الأعرابي نعم! قال { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } النحل80 الآية. قال الأعرابي نعم! ثم قرأ عليه كل ذلك يقول الأعرابي نعم! حتى بلغكَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } النحل 81 فولى الأعرابي. فأنزل الله { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } النحل 83 الآية. وعن السدي رحمه الله { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } أي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكرونها. أي يكذبونه وينكرون صدقه. وقد بين جل وعلا أن بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم من منن الله عليهم. كما قال تعالىلَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } آل عمران 164 الآية. وبين في موضع آخر أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران. وذلك في قولهأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } إبراهيم 28. وقيل يعرفون نعمة الله في الشدة، ثم ينكرونها في الرخاء. وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك، كقولهفَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } العنكبوت 65، ونحوها من الآيات - إلى غير ذلك من الأقوال في الآية. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } النحل 83 قال بعض العلماء معناه أنهم كلهم كافرون. أطلق الأكثر وأراد الكل. قال القرطبي والشوكاني. وقال الشوكاني أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم. أو أراد كفر الجحود، ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر بعضهم كفر جهل.