الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ذكر الواحدي عن ابن عباس أنه قال " اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله/ صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم عليه السلام كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولانأخذ بدينك " فأنزل الله تعالى هذه الآية، والجملة في النظم معطوفة على مجموع الشرط والجزاء، وقيل: على الجزاء فقط، وعطف الإنشاء على الإخبار مغتفر هنا عند المانعين، والهمزة على التقديرين متوسطة بين المعطوف والمعطوف عليه للإنكار، وقيل: إنها معطوفة على محذوف تقديره ـ أيتولون فغير دين الله يبغون ـ قال ابن هشام: والأول: مذهب سيبويه والجمهور، وجزم به الزمخشري في مواضع، وجوز الثاني في بعض ـ ويضعفه ما فيه من التكلف ـ وأنه غير مطرد، أما الأول: فلدعوى حذف الجملة فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال إنه أسهل منه لأن المتجوز فيه على قولهم: أقل لفظاً مع أن في هذا التجوز تنبيهاً على أصالة شيء في شيء أي أصالة الهمزة في التصدر، وأما الثاني: فلأنه غير ممكن في نحوأَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33] انتهى.

وتعقبه الشمس بن الصائغ بأنه أي مانع من تقدير ألا مدبر للموجودات ـ فمن هو قائم على كل نفس ـ على الاستفهام التقريري المقصود به تقرير ثبوت الصانع، والمعنى ـ أينتفى المدبر فلا أحد قائم على كل نفس ـ لا يمكن ذلك بل المدبر موجود فالقائم على كل نفس هو ـ وهو أولى من تقدير البدر ابن الدماميني ـ أهم ضالون فمن هو قائم على كل نفس بما كسبت لم يوحدوه، وجعله الهمزة للإنكار التوبيخي، وعلى العلات يوشك أن يكون التفصيل في هذه المسألة أولى بأن يقال: إن انساق ذلك المقدر للذهن قيل: بالتقدير، وإلا قيل: بما قاله الجماعة، وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار لا للحصر كما توهم لأن المنكر اتخاذ غير الله رباً ولو معه، ودعوى أنه إشارة إلى أن دين غير الله لا يجامع دينه في الطلب، فالتقديم للتخصيص، والإنكار متوجه إليه أي أيخصون غير دين الله بالطلب ـ تكلف، وقول أبـي حيان: إن تعليل التقديم بما تقدم لا تحقيق فيه لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات، وإنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ } ، وإنما جاء تقديم المفعول من باب الاتساع، ولشبه { يَبْغُونَ } بالفاصلة لا تحقيق فيه عند ذوي التحقيق لأنا لم ندع توجه الإنكار إلى الذوات كما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3