الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

قال الإمام الرازي في وجه التناسب والاتصال: اعلم إنه تعالى لما أمر بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب في الآيات المتقدمة، وذكر في المنافقين قلة رغبتهم في الجهاد بل ذكر عنهم شدة سعيهم في تثبيط المسلمين عن الجهاد عاد في هذه الآية إلى الأمر بالجهاد.

وقال الأستاذ الإمام: تقدم إن الآيات في وصف أولئك الضعفاء، ولما قال إن الرسول ليس حفيظاً عليهم وإنما هو مبلغ عن الله تعالى أيد هذا وأوضحه بقوله.

{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي إنك أنت المكلف أن تقاتل في سبيل الله (وتقدم تفسيرها) والرقيب على نفسك فقم بما يجب عليك بالعمل، وحرض المؤمنين على القتال معك لأن التحريض من التبليغ الذي منه الأمر والنهي { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } عسى هنا تدل على الإِعداد والتهيئة لأن الترجي الحقيقي محال على العالم بكل شيء القادر على كل شيء فهي بمعنى الخبر والوعد وخبره تعالى حق لأنه لا يخلف الميعاد. والبأس القوة، وكان بأس الكافرين، موجهاً إلى إذلال المؤمنين، لأجل الإيمان لا لذواتهم وأشخاصهم، فتأييد الإيمان متوقف على كف بأسهم، وكفه متوقف على تصدي المؤمنين للجهاد.

أقول: سبق غير مرة تفسير الأستاذ الإمام لكلمة عسى بمثل هذا وحاصل المعنى إن تحريض النبي للمؤمنين على القتال معه هو الذي يحملهم بباعث الإيمان والإذعان النفسي - دون الإلزام والسيطرة - على الاستعداد له وتوطين النفس عليه، وذلك هو الذي يوطن نفوس الكافرين على كف بأسهم عن المؤمنين ويعدهم لترك الاعتداء عليهم، لأنه لا شيء أدعى إلى ترك القتال من الاستعداد للقتال، وعلى هذه القاعدة جرى عمل دول أوربة في هذا العصر وبه يصرحون. تبذل كل دولة منتهى ما في وسعها من اتخاذ آلات القتال في البر والبحر وتنظيم الجيوش لتكون القوى الحربية بينهن متوازنة فلا تطمع القوية في الضعيفة فيغريها ضعفها بالإقدام على محاربتها.

وجعل عسى للترجي لا يقتضي أن يكون المترجي هو الله عز وجل وإنما يكون المعنى أن ما دخلت عليه مرجو في نفسه. بحسب سنة الله في خلقه.

{ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي لا يخيفنكم أيها المؤمنون بأس هؤلاء الكافرين وشدتهم ولا تصدنكم عن طاعة الرسول والعمل بتحريضه مذعنين مختارين فإن الله تعالى الذي وعده بالنصر أشد بأساً منهم وأشد تنكيلاً لهم مما يحاولون أن ينكلوا بكم، ولكن سنته سبقت بأن تكون العاقبة لأهل الحق إذا اتقوا أسباب الخذلان، واتخذوا أسباب الدفاع مع الصبر والثبات، لا أنه ينصرهم وهم قاعدون أو مقصرون في الجري على سننه التي لا تبديل لها ولا تحويل، والتنكيل أن تعاقب المجرم بما يكون عبرة ونكالاً لغيره يمنعه إن يجرم مثل إجرامه، وهو من النكول بمعنى الامتناع.

السابقالتالي
2