الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } أي نوعاً من المطر عجيباً وقد بينه قوله سبحانه:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [الحجر: 74]. وفي «الخازن» أن تلك الحجارة كانت معجونة بالكبريت والنار. وظاهر الآية أنه أمطر عليهم كلهم. وجاء في بعض الآثار أنه خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم حتى أن تاجرا منهم كان في الحرم فوقفت له حجر أربعين يوماً حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه. وفرق بين مطر وأمطر فعن أبـي عبيدة أن الثلاثي في الرحمة والرباعي في العذاب ومثله عن الراغب، وفي «الصحاح» عن أناس أن مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وفي «القاموس» «لا يقال أمطرهم الله تعالى إلا في العذاب». وظاهر كلام «الكشاف» في الأنفال [32] الترادف كما في «الصحاح» لكنه قال: «وقد كثر الإمطار في معنى العذاب» وذكر هنا أنه يقال: «مطرتهم السماء وواد ممطور ويقال: أمطرت عليهم كذا أي أرسلته [عليهم] إرسال المطر». وحاصل الفرق ـ كما في «الكشف» ـ ملاحظة معنى الإصابة في الأول والإرسال في الثاني ولهذا عدي بعلى، وذكر ابن المنير «أن مقصود الزمخشري الرد على من يقول: إن مطرت في الخير وأمطرت في الشر ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن أمطرت معناه أرسلت شيئاً على نحو المطر وإن لم يكن ماءً حتى لو أرسل الله تعالى من السماء أنواعاً من الخير... لجاز أن يقال فيه: أمطرت السماء خيراً أي أرسلته إرسال المطر فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئاً سوى المطر إلا وكان عذاباً فظن أن الواقع اتفاقاً مقصود في الوضع» (وليس به) انتهى. ويعلم منه ـ كما قال الشهاب ـ أن كلام أبـي عبيدة وأضرابه مؤول وإن رد بقوله تعالى:عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف: 24] فإنه عنى به الرحمة. ولا يخفى أنه لو قيل: إن التفرقة الاستعمالية إنما هي بين الفعلين دون متصرفاتهما لم يتأت هذا الرد إلا أن كلامهم غير صريح في ذلك، ولعل البعض صرح بما يخالفه ثم ان { مَّطَرًا } إما مفعول به أو مفعول مطلق.

{ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مآل أولئك الكافرين المقترفين لتلك الفعلة الشنعاء. وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر تعجيباً من حالهم وتحذيراً من أفعالهم. وقد مكث لوط عليه السلام فيهم ـ على ما في بعض الآثار ـ ثلاثين سنة يدعوهم إلى ما فيه صلاحهم فلم يجيبوه وكان إبراهيم عليه السلام يركب على حماره فيأتيهم وينصحهم فيأبون أن يقبلوا فكان يأتي بعد أن أيس منهم فينظر إلى سدوم ويقول سدوم أي يوم لك من الله تعالى سدوم حتى بلغ الكتاب أجله فكان ما قص الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5