الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قال انما اشكو بثى } البث اصعب الهم الذى لا يصبر عليه صاحبه فيبثه الى الناس اى ينشره فكأنهم قالوا له ما قالوا بطريق التلسية والاشكاء فقال لهم انى لا اشكو ما بى اليكم او الى غيركم حتى تتصدوا للتسلى وانما اشكو همى { وحزنى الى الله } ملتجأ الى جنابه تضرعا لدى بابه فى دفعه
رازكويم بخلق وخوار شوم باتو كويم بزر كوار شوم   
والحزن اعم من البث فاذا عطف على الخاص يراد به الافراد الباقية فيكون المعنى لا اذكر الحزن العظيم والحزن القليل الا مع الله. فان قيل لم قال يعقوب فصبر جميل ثم قال يا اسفا على يوسف وقال انما اشكو بثى وحزنى الى الله فكيف يكون الصبر مع الشكوى. قيل ليس هذا الا شكاية من النفس الى خالقها وهو جائز الا ترى ان ايوب عليه السلام قالرب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين } وقال تعالى مع شكواه الى ربه فى حقهانا وجدناه صابرا نعم العبد } لانه شكا منه اليه وبكى منه عليه فهو المعذور لديه لان حقيقة الصبر ومعناه الحقيقى حبس النفس ومنعها عن الشكوى الى الغير وترك الركون الى الغير وتحمل الاذى والابتلاء لصدوره من قضائه وقدره كما قيل بلسان الحقيقة
كل شيء من المليح مليح لكن الصبر عنه غير مليح   
وقيل
والصبر عنك فمذموم عواقبه والصبر فى سائر الاشياء محمود   
وذلك لان المحب لا يصبر عن حضرة المحبوب فلا يزال يعرض حاله وافتقاره الى حضرته ولسان العشق لسان التضرع والحكاية لا لسان الجزع والشكاية كما اشار العاشق
بشنوازنى جون حكايت ميكند از جداييها شكايت ميكند   
يعنى شكاية العارف الواقف فى صورة الشكوى حكاية حاله وتضرعه وافتقاره الى حبيبه. وعن انس رضى الله عنه رفعه الى النبى عليه الصلاة والسلام " ان رجلا قال ليعقوب ما الذى اذهب بصرك وحنى ظهرك قال اما الذى اذهب بصرى فالبكاء على يوسف واما الذى حنى ظهرى فالحزن على اخيه بنيامين فاتاه جبريل فقال أتشكو الى غير الله قال انما اشكو بثى وحزنى الى الله قال جبريل الله اعلم بما قلت منك قال ثم انطلق جبريل ودخل يعقوب بيته فقال اى رب اما ترحم الشيخ الكبير اذهبت بصرى وحنيت ظهرى فرد على ريحانتى فاشمهما شمة واحدة ثم اصنع بى ما شئت فاتاه جبريل فقال يا يعقوب ان الله يقرئك السلام ويقول ابشر فانهما لو كانا ميتين لنشر تهما لك لاقر بهما عينك ويقول لك يا يعقوب أتدرى لم اذهبت بصرك وحنيت ظهرك ولم فعل اخوة يوسف بيوسف ما فعلوه قال لا قال انه اتاك يتيم مسكين وهو صائم جائع وذبحت انت واهلك شاة فطعمتموها ولم تطعموه ويقول انى لم احب من خلقى شيئا حبى اليتامى والمساكين فاصنع طعاما وادع المساكين "

السابقالتالي
2